الأخ المستشار القانوني الضليع كان قطباً من أقطاب فريق الهلال. تزاملنا في مدرسة خورطقت الثانوية فكان أحد الذين يطلق عليهم «راس هوس». ولم يفارق اهتمامه بكرة القدم حتى بعد أن اغترب للمرة الثانية. وهو يناقش هنا أمراً مهماً بالنسبة للمنشغلين بأمر كرة القدم وهو الركلات الترجيحية. أما بالنسبة لي فالأمر عادي.. حتى ولو خرج الفريقان غالبين. ولما فقد السودانيون اهتمامهم بنتائج فرقنا المحلية التي تأتي دائماً مخيبة للآمال اتجهوا نحو منافسات الفرق الأوربية فتجدهم خبراء وفلاسفة في تشريح وتنظير ما كان يجب فعله في مباراة مانشستر يونايتد وجلسي ولكنهم لا يستطيعون فهم نتيجة هلال كادقلي وأهلي شندي.. لأنها لا تخضع للنظم الرياضية المعلومة. والقضية كلها هردبيس في هردبيس وقس على ذلك أشباهه. يحاضرنا الأخ عبد الله مسعود عن الركلات الترجيحية تحت عنوان «سايكلوجية الانفعال» قائلاً: «يتابع العالم بأسره وباهتمام شديد بطولة كأس دوري أبطال أوروبا التي شارفت علي نهايتها إلا أن الخوف من أن تؤول نهايتها إلى الاحتكام إلي ركلات الترجيح يخيم على الأجواء. لقد أدلى جون تيري «كابتن شيلسي» باعتراف ذكر فيه أنه ظل لشهور عدة يعاني من التأثير السالب لركلة الترجيح التي أهدرها في نهائي دوري الأبطال في عام 2008م حينما تزحلق قبل أن يركل الكرة تجاه مرمى مانشيستر يونايتد. ومن السخرية أن مدافع إنجلترا الفذ قاريث ساوثقيت، الذي مثل منتخب بلاده 57 مرة في المدة من 1995م إلى 2004م، ظل اسمه مرتبطًا بركلة الترجيح التي أهدرها في كأس الأمم الأوروبية التي أقيمت في إنجلترا عام 1996م عندما قذف بالكرة صوب حارس منتخب المانيا الذي لم يجد صعوبة في إحتضانها، وهي الركلة السادسة بعد أن نجح كل منتخب في إحراز الخمس ركلات الأول، ثم أعقبه اللاعب الألماني ليحرز هدف الفوز في مرمى إنجلترا ليودع الإنجليز البطولة في الدور نصف النهائي؛ تلك البطولة التي أقيمت في معقلهم وبمرأى ومشهد الآلاف من مواطنيهم. لقد أقر كل من جون تيري وقاريث ساوثقيت بأن إحراز هدف من مسافة 12 ياردة يصبح أمرًا عسيرًا حينما تحمل آمال الملايين على أكتافك. إن الصعوبة لا تكمن في القيام بواجب تسديد الكرة إذ أن معظم اللاعبين يحرزون أهدافًا من ركلة تسدد من نقطة الجزاء في التمارين ولكن هول الموقف في المنافسات، هو الذي يصعِّب المهمة. فالمشكلة لا تتعلق بالمقدرة على التنفيذ ولكن بالسيطرة على الأعصاب عند التنفيذ. وهذا العامل هو ما يطلق عليه علماء النفس «أهمية سايكولوجية الأداء». إن احتمال فقد اللاعب «أي لاعب» لأعصابه أو انفعاله لما يقارب الانفجار ويلامس حافة الجنون قد اتضح في بطولة الماسترز للجولف التي أقيمت مؤخرًا في فرجينيا بالولايات المتحدةالأمريكية حيث كان لاعب الجولف الدولي روي ماكلروي على بعد خطوة من إحراز البطولة إلا أن مهنيته وخبرته تخلت عنه في لحظة انفعال شديد أحاله إلى مبتدئ وهاو بعد أن كان محترفًا يشار إليه بالبنان. إن الكثيرين منا لم يمارسوا الرياضة العالمية ولكن، وبطريقة غريبة، نعاني جميعًا مما يعرف بلعنة الانفعال. فالممارس للرياضة بمختلف أنواعها ومستوياتها يصبح ضحية لتلك اللعنة مهما كانت خبرته وكفاءته ومقدرته ومهارته. فتؤدي تلك اللعنة إلى إهداره لجهود زملائه إذا فشل في إحراز هدف من ركلة ترجيح حاسمة أو إذا تم طرده نتيجة لذلك الانفعال. ولتقريب المسألة لذهن القارئ أستطيع القول بأن الشخص الذي يجري معاينة لملء وظيفة لا تعنيه كثيرًا يكون هادئًا ومسترخيًا وواثقًا بحيث تنساب الأجوبة في سهولة ويسر وتدفق مطّرد. ولكن عندما يجري نفس الشخص معاينة لملء وظيفة تعني له الكثير للدرجة التي يجف فيها لعابه فجأة ويتعطل دماغه، فإن الأشياء تختلط عليه ويقذف بالأجوبة على نفس النمط الذي قذف به ماكلروي كرة الجولف من كوم الرمل العاشر الذي كان يشكل معبرًا سهلاً للحصول على البطولة. ولكن لماذا؟؟ لماذا نكون عرضة للعبث بالأشياء وبعثرة الجهود في نفس الوقت الذي تكون فيه مثل تلك التصرفات الناتج الطبيعي لكارثة حقيقية؟ لماذا نكون عرضة للفشل حينما نكون في حاجة ماسة للنجاح؟ لسنين عديدة كانت عقدة الانفعال الذي يقرب من الانفجار عصية الاستيعاب بالنسبة للرياضيين وحتى علماء النفس. إلا أن علماء النفس توصلوا مؤخرًا إلى نتائج مذهلة في هذا الشأن. ببساطة قاموا بطرح السؤال التالي: ماذا يحدث عندما تبدأ في تعلم مهنة ما أو صنعة ما كقيادة السيارة على سبيل المثال؟ في البدء تجد نفسك مضطرًا إلى التركيز الشديد لتحريك عصا الجيربوكس «الجرابوكس» والسيطرة على عجلة القيادة ودعس الكلتش في آن واحد. إن تلك المهام تبدو في منتهى الصعوبة في البداية مما يجعل معلمك يأخذك إلى فضاء فسيح خوفًا من أن تأتي بما لم تستطعه الأوائل. ولكن بعد المئات من ساعات التدريب يمكنك أن تقود السيارة بكل مهارة حتى بدون سيطرة العقل الواعي بحيث يمكنك الوصول إلى العمل أو المنزل دون أن تعي أو تدرك كيف استطعت أن تصل إلى هذا المكان أو ذاك. في واقع الأمر أن ذوي الخبرة والمبتدئين يستخدمون نظمًا عقلية تختلف تمامًا عن بعضها البعض. فالممارس لرياضة ما أو مهنة ما لمدة طويلة يستطيع أن ينمي مهارة ضمنية تختزنها الذاكرة بحيث تصبح الممارسة تلقائية ونمطية حتى دون التفكير فيها. في الجانب الآخر فإن المبتدئ يستخدم النظام الظاهر والصريح بحيث يراقب وبوعي تام ما يقوم به. دعنا نفترض أن ذا الخبرة قد وجد نفسه فجأة يستخدم النظام الخاطئ؛ في هذه الحالة لا يهمه إن كان أداؤه جيدًا أم لا، إذ سيكون تحت رحمة النظام الظاهر والصريح. فالمهارات العالية المخزنة في عقله الباطن لا تعني له شيئًا ويجد نفسه في مجاهدة لتحقيق الفوز باستخدام الوسائل التي اعتادها عندما كان مبتدئًا. هذا هو ما يقود إلى الانفعال الحاد الذي يسببه القلق الخانق لدرجة فقدان السيطرة على الوعي في أداء مهام كان من الممكن الإتيان بها تلقائيًا. فالمشكلة لا تنشأ نتيجة لعدم التركيز ولكن تنشأ للزيادة المفرطة في التركيز. فالرقابة المتحفزة من العقل الواعي قد أخلت بمقدرة العقل الباطن في العمل بسلاسة وبالتالي يتردى الخبير إلى مبتدئ مرة اخرى. نخلص من ذلك إلى أن من توكل لهم مهمة تنفيذ ركلات الترجيح في المنافسات الكبيرة، خاصة النهائيات وأنصافها، يكونون تحت وطأة إجهاد ذهني عميق إلى جانب الإجهاد البدني. هنالك العديد من السبل لتفادي الانفعال حد الانفجار خاصة عند تنفيذ ركلات الترجيح ولكن تمشيًا مع إعلان لشركة نايكى في نصيحة لمن يتصدون لتسديد ركلات الترجيح أو ركلات الجزاء: فقط قم بالتنفيذ «JUST DO IT». أو شوتها وريحنا. عبدالله مسعود