يعرف الكثيرون طرفة اليهودي البخيل جداً الذي مات ولده وطلب منه أعضاء الأسرة أن ينعاه في الصحف اليومية.. ولأن اليهودي كان بخيلاً جداً فقد رفض بشدة أن يتكبد خسائر في نعي لا تزيد مساحته عن بوصة واحدة. وبعد الإلحاح والإصرار والقومة والقعدة والوساطات وافق اليهودي على أن ينعى ولده في إحدى الصحف وكتب قائلاً «كوهين ينعى ولده ويصلح الساعات».. وربما يذكر البعض قصة ذلك الرجل الذي مات جاره الملاصق له بالحيطة في الساعات الأولى بعد منتصف الليل. وزوجته أيقظته من النوم وطلبت منه أن يذهب لتقديم العزاء ولمشاركة الجيران في دفن والدهم.. ويبدو أن البرد كان قارساً جداً والظلام دامسًا والرقاد تحت البطانية مريحًا جداً.. ولهذا فإن الرجل قال لزوجته إنه في هذا الظلام لن يتمكن أولاد المرحوم من معرفة الذين حضروا أو الذين لم يحضروا وإنه في الصباح سوف يذهب لهم «عادي» ولن يلاحظوا غيابه ليلة البارحة. وفعلاً قام الرجل صباحاً وهو يحمل صينية الشاي ودخل على أهل المأتم ولم يرفع الفاتحة متظاهراً أنه كان معهم ليلة الأمس.. وخاطبهم قائلاً «أصبحتوا كيف يا جماعة».. فرد عليه أحدهم «أصبحنا أبونا ميِّت تعال أديِّنا الفاتحة ما تعمل فيها رايح».. ولا أدري من الذي عليه أن يخطر ناس القنوات الفضائية «بتاعتنا» ويقول لهم بأن «أبونا مات» وإخواننا في أم روابة قُتلوا وأهلنا في أبوكرشولة تم إعدامهم بالذبح من الأذن إلى الأذن في تصفية عِرقية للمسلمين والعرب وفي محاكم للتفتيش تبدأ بسؤال واحد وتنتهي به «هل أنت مسلم؟؟.. هل أنت مؤتمر وطني» إذن أنت محكوم عليك بالإعدام.. ويتم ذبح المواطن أمام أهله.. وإلى يوم أمس تقول الأخبار عن ذبح خمسة وأربعين غير الذين لم يُعلن عنهم.. وتحكي الأخبار عن العنابر المليئة بالنساء والأطفال.. وتحكي عن الاغتصاب المبني على التمايز العِرقي.. ولا أدري إن كان علينا أن نذكِّر السيد وزير الثقافة أم السيد وزير الاتصالات أم السيدة وزيرة الموارد أم السيدة وزيرة الشؤون الاجتماعية لكي تذكِّر بدورها السادة مديري القنوات الفضائية والعاملين فيها بأن «أبونا مات» وأهلنا ماتوا وأننا عايزنكم تدونا الفاتحة.. ويا سيدي وزير الإعلام نرجو الإفادة بأن «ناسك» بتاعين القنوات ربما لم يسمعوا بخبر مقتل آبائنا وإخواننا في مدينة اسمها أم روابة وذبحهم في قرية اسمها أب كرشولة.. ولم يسمعوا بحشود النازحين في الرهد ولم يسمعوا بأن هناك حملة نازية تقوم بها قوات الحركة الشعبية بقيادة عرمان والحلو وعقار مدعومة من دولة الجنوب بالسلاح والعتاد. وبالطبع يا سيدي الوزير ويا سادتي مساعدي الرئيس ويا سادتي نواب الرئيس ويا ناس المجلس الوطني يبدو أن ناس القنوات «بتاعتنا» لم يسمعوا بالخبر حتى الآن أو يتعمدون تجاهل الأمر وكأنهم في كوبنهاجن فنرجو أن «تَتْبِنُوهُمْ» و «تَهْبِشُوهم» و«تكلِّموهُم» بالخبر حتى يتفاعلوا مع الشارع ويجعلوه يعيش في «المود» .. لأن الشارع في وادٍ وناس القنوات في وادٍ تاني؟!! وناس القنوات لا تزال برامجهم «متبرجة» وبخورهم مولِّع و«كبريتم» قاجيِّ وريحتو في «السَّهلة» وتيابهم مهفهفة وشعورهم مسدلة مرسلة.. ورأسهم كاشف وعاملين «ديانا يا الغبيانة».. وعاملين البتاع الأبيض في الوجوه سميكًا لزجًا مثل الجير تصعب إزالته حتى باستعمال السكين.. و«التِرْتِرْ» يتشتت من بين أيديهم ومن تحت أرجلهم وقد يحتاج إلى كنَّاس يكنس ما يبقى منه على الكراسي وفي أرضية الإستديو عند كل برنامج. ويحتاج أهل القنوات الفضائية إلى من ينبههم بأن «أبوهم مات» وأن عليهم أن يبكوا .. فإن لم يقدروا على البكاء يمكنهم أن يتباكوا زوراً وبهتاتاً.. فإن لم يستطيعوا يمكنهم أن يمثلوا بدموع التماسيح أو يمكنهم أن «يجيبوا بصلة ويشموها» لتساعدهم على سيلان الدموع حزناً على ناس أم روابة واب كرشولة.. فان لم ينفع فعليهم بالشطة والبنبان «فسرُّهما باتع». يا جماعة يا ناس القنوات عليكم الله أوقفوا الدلاليك والهشك بشك البتعملوا فيهم وارتفعوا إلى مستوى الحزن النبيل بتاع أهلكم والذي تعيشه بلادكم هذه الأيام.. ويا جماعة بالله خليكم من حكاية سليمة ودعوها سليمة و«الطهارة» وانتبهوا معنا في حكاية التطهير العرقي والذبح من الأضان للأضان الذي يتم في أبوكرشولة وتابعوا متحركات الدفاع الشعبي والإغاثة والدعم من منظمات المجتمع المدني.. وجيبوا لينا الأناشيد الوطنية والحماسية التي تذكي الحماس وتشجع الكبير والصغير وتعلم الناس كيف يستعدون لحرب المدن وخلاص كفاكم من«الحب» وأغاني المياعة وكفاكم من الحنة والباروكات والترتر والأحمر والأخضر ودق الدفوف والطلوع فوق الرفوف. و«غايتو» من برَّه هلاَّ هلاَّ ومن جوَّة يعلم الله»