{ في التنوير الذي رأسه وزير العدل بشارة دوسة بالوزارة أمس الأوّل فهمنا أن محاكمة مالك عقار وعرمان .. ترد الإشارة إلى الحلو إن هذه المحاكمة لا تتعارض مع المفاوضات مع قطاع الشمال. والمعلوم أن المحاكمات غيابية فهل هذا ما يجعلها لا تتعارض مع التفاوض؟! أي إذا قام الإنتربول بالقبض على المتهمين ليحاكَموا بالمثول أو تنفَّذ عليهم العقوبات فهل هذا يعني التعارض مع المفاوضات؟!.. بالطبع نعم.. لذلك نسأل هنا أيهما أهم التفاوض أم المحاكمة إذا تم القبض عليهم؟! وهل يمكن أن يكون التفاوض داخل السجن؟! إن النظام العدلي فتح ضدهم بلاغات جنائية، فكيف تمنح الحكومة هؤلاء الجناة شرف تمثيل منطقة من المناطق أو جماعة من المواطنين؟! إن المفاوضات والمحاكمات يسيران في خطين متوازيين أليس كذلك؟ وإذا عُلم هذا فيمكن تفسير المسألة بأن الحكومة تتعامل بوجه الحق في موضوع المحاكمات، وفي نفس الوقت تراعي ضغوط المجتمع الدولي في مسألة التفاوض. لكن هل هي محتاجة لكل هذا التوفيق العجيب؟! إن بإمكانها أن تُقنع المجتمع الدولي الذي يميل كل الميل لأعداء السودان في كل قضية باطلة وعاطلة بأن ما قام به عقار والحلو وعرمان ليس نضالاً يستحق التفاوض وضياع الوقت والمال، وإنما هو جرائم فاقت جرائم كارلس الموصوف بأنه إرهابي وجرائم عبد الله أوجلان الكردي الذي حارب النظام العلماني في تركيا من أجل حقوق وقضايا الأكراد هناك وتعاملت معه بلطف الآن حكومة أوردغان الإصلاحية المنتخبة. وإذا كان يُحسب على تنظيم القاعدة أنه وراء قتل الكثير من المسلمين والكفار، فإن ما فعله قطاع الشمال هو الأسوأ والأدهى والأمر. لكن المجتمع الدولي لا ينظر كعادته إلى الجرائم الفظيعة المرتكبة داخل السودان بيد الحركة الشعبية وجيشها الشعبي. وداخل السودان إذا قام فرد أو جماعة لا صلة لهم بالحكومة من قريب أو بعيد أو ربما كانوا يعارضونها فإن أصواتاً أجنبية لا تنفك تتحدَّث عن أن الحكومة السودانية هي المسؤولة، وليتهم حَمَّلوا الحكومة السودانية ما ينبغي أن تتحمله مثل معاناة الناس بسبب تغيير مواقف المواصلات هذه الأيام وبسبب تغيير اتجاه الشوارع. لا يمكن أن يصلح التفاوض مع جناة ارتكبوا جرائم وهم مطلوبون للعدالة في بلادهم، فإما اعتبار ما فعلوه نضالاً ثم يكون التفاوض وإما اعتباره إجراماً وهنا لا يصلح التفاوض مع المجرمين إذا ثبت بعد المحاكمات سواء الغيابية أو الشهودية إدانتهم. إن المتهمين الذين سيحاكمون حضورياً في أحداث النيل الأزرق في أغسطس 2011م عددهم «84» أربعة وثمانون. أما الذين سيحاكمون غيابياً ومنهم عقار وعرمان فهم «17» سبعة عشر. والمنطق يقول المفروض إرجاء التفاوض إلى ما بعد الفراغ من المحاكمات بالنسبة لعقار وعرمان لكن حتى «الإرجاء» لم تفعله الحكومة مع أنه من منطق الأشياء. «الله يهدينا ويهدي الحكومة». إن المجتمع الدولي لن ينظر إلى المحاكمات بقدر ما سينظر إلى المفاوضات مع الجناة، وهذا مكسب غير مستحق لمن جنوا على المواطنين. فانظر كيف تمنح الحكومة المكاسب السياسية للمتهمين.