ردَّت جمهورية مصر الشقيقة اعتبار الرئيس محمد نجيب... هل يردُّ السودان اعتبار الرئيس إبراهيم عبود... متى؟ لا يزال قدامى خصوم الرئيس عبود من العقائديين السابقين، يطلقون في 21/ أكتوبر من كل عام قنابلهم الصوتية لإرهاب السياسيين، بعدم إتخاذ القرار المنصف برد الإعتبار، ذلك القرار الذي يترتُب عليه تصحيح التاريخ وتقويم الزيف السياسيّ ورسم خارطة طريق إلى المستقبل... مستقبل بدون حزبين عقائديين وبدون حزبين طائفيين. في منتصف الستينات كان دخل الفرد السنوي في كل من السودان وكوريا الجنوبية يساوي (300) دولار. كان السودان وكوريا الجنوبية يقفان على قدم المساواة اقتصادياً. وكانت ماليزيا تُعرف بين دول العالم باسم الملايو.. وعرفت حينها فقط باعتبارها قطر تغطية غابات المطاط وشجر زيت النخيل. وغنى شعراء السودان ل (غابات كينيا والملايو). وكانت تايوان وسنغافورة تنموان بهدوء. في منتصف الستينات بدأت إنطلاقة النهضة الاقتصادية في كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة. تلك الدول أصبحت تُعرف لاحقاً بعد النجاح ب (النمور الآسيوية). ويلاحظ أن أمريكا دعمت بناء أنموذج الإقتصاد الحرّ في اليابان، لتهزم به أنموذج الاقتصاد الاشتراكي السوفيتي. وقد عمّمت أمريكا تلك (السابقة) الإقتصادية بعد نجاحها في عدة دول.. ودعمت أمريكا بناء أنموذج الإقتصاد الحرّ في كوريا الجنوبية، لتهزم به أنموذج الإقتصاد الاشتراكي في كوريا الشمالية في تايوان، لتهزم به أنموذج الاقتصاد الاشتراكي في جمهورية الصين الشعبية. كانت إستراتيجية أمريكا في الخمسينات هي طرح مشروع (مارشال)، بتقديم برامج عون إقتصادي وتنمويّ، لإحتواء المدّ الشيوعي والنفوذ السوفيتي وسد ذرائع تسلّله وازدهاره في البيئات الفقيرة. في الستينات ظهر مشروع بناء نماذج تنموية لإقتصاد السوق الحر، تهزم أنماط الإقتصاد الشيوعي الإشتراكي. وبذلك يتم احتواء النموذج الإقتصادي الإشتراكي بواسطة أنموذج الإقتصاد الحر. فكانت كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان، ومن قبل اليابان. في مطلع الستينات ظهر في العالم العربي عهد كان يسمى ب (الإشتراكية العربية) بزعامة مصر. في مارس 1963م كانت قرارات التأميم الشهيرة في مصر. في نفس العام 1963م وجهت أمريكا دعوة رسمية للرئيس إبراهيم عبود لزيارة واشنطن، وتمت الزيارة. وتحدث الرئيس جون كنيدي عن الصداقة بين أعرق الأمم وأحدث الأمم سناً. وسار الرئيسان في عربة مكشوفة يحيّيان الجماهير. كانت أمام السودان في تلك اللحظة فرصة تاريخية، لكي يبني بالتحالف مع أمريكا وبريطانيا، أنموذج إقتصاد حرّ، يهزم الأنموذج الإقتصادي الإشتراكي، الذي تطرحه (الاشتراكية العربية) في المنطقة. كان السودان مؤهلاً لبناء أنموذج إقتصاد حر، بالأداء الإقتصادي الممتاز خلال عهد الرئيس إبراهيم عبود، وبما يملكه من نخبة عالية الكفاءة تعليماً وتدريباً، وبما يمتلك من خدمة مدنية متميّزة وموارد طبيعية. لكنه جاءت ثورة أكتوبر1964م فأدّت إلى أن يغادر الرئيس إبراهيم عبود الحكم. واختل توازن السياسة الخارجية، وتصاعدت النبرة اليسارية بحدّة. وأشرفت على إدارة السودان حكومات لا تمتلك بوصلة سياسية، وبغير (مثل أعلى) في الحكم، وبغير صحافة وطنية سياسية معتدلة. كانت (ثورة) أكتوبر السبب في أن يفقد السودان الفرصة التاريخية، ليصبح نمراً إقتصادياً أفريقيا، كما أصبحت نموراً آسيوية كل من كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان ثمّ ماليزيا التي كانت مجرد غابات من المطاط وأشجار زيت النخيل، وهي اليوم تعمل على أن تصبح بحلول العام 2020م من الدول الصناعية السّبع، وذلك وفق خطتها 2020م (توينتي.. توينتي). كانت ثورة أكتوبر 1964م سبباً في أن يفقد السودان الفرصةالتاريخية ليصبح (يابان وادي النيل)... ليصبح الأسد الإقتصادي الأفريقي. لقد أضاعت (ثورة) أكتوبر 1964م ورحيل الرئيس إبراهيم عبود عن الحكم، الفرصة التاريخية ليبني السودان أنموذج تنمية إقتصادية مزدهرة على أسس الإقتصاد الحر. وضع الرئيس إبراهيم عبود بسياسته الخارجية والداخلية وأدائه الإقتصادي، السودان على نقطة الإنطلاق، ليصبح إقليمياً دولة إقتصادية كبرى. والسياسة الدولية الأمريكية البريطانية كانت متحمسة للتحالف الإقتصادي مع السودان. ولتعيد في منطقة وادي النيل، إنتاج تجارب النمور الآسيوية. لكن جاءت (ثورة أكتوبر فطمست معطيات النهضة السودانية بما فيها حكم الرئيس إبراهيم عبود). وطرحت (ثورة) أكتوبر معطيات مغايرة، ليدخل السودان دورة تاريخية من التخلف. دورة تاريخية غابت عنها فريضة الحكمة، فأبعدت لصالح موسكو وأحلام الإشتراكية العربية، التحالف الإقتصادي مع الدول الغربية الكبرى. وغابت عنها الحكمة مجدَّداً، فقامت عام 1970م بتأميم البنوك والشركات الأجنبية المستثمرة في السودان، فدّمرت ما تبقّى من الإقتصاد السوداني تدميراً. في العشرينات، مثلاً، كان يوجد فرع لبنك (باركليز) في العديد من المدن السودانية في الخرطوم ومدني وسنار، وغيرها. وبعد أكثر من سبعين عاماً اليوم لا يوجد بنك غربّي واحد، يعمل في السودان. في عام 1966م كان السودان وكوريا الجنوبية على قدم المساواة اقتصادياً... لكن (ثورة) أكتوبر بطائفيتها وعقائديتها الفاشلة طمست الطريق إلى القمة!.