* موسى غسَّال حينا .. جلس ذات مساء يفكر مهموما فى حاله .. يمر زمان طويل قبل أن يعاد إليه قميص أو بنطلون أو جلباب غسله مرة !!ملابس هؤلاء( الجلود) لا تتسخ بسرعة تلائم ظروف التحرير الإقتصادى * * وكما تفعل ,, البيوتات التجارية,, والشركات الكبيرة رأى موسى ضرورة أن يتخذ استراتيجية تسويقية ما .. أن يفكر ويخطط ويؤلف بين المعطيات المتاحة ثم يحللها ثم يتوصل إلى نظرية ما، قد تفيد المهنة فهو على أيَّة حال رجل أعمال, بحسب التصنيف الوظيفى.. * * لم يجد موسى صعوبة فى استنتاج قواعد أوَّليَّة يبنى عليها :فالملابس لكى تتسخ فتذهب الى الغسال لابد من وجود شئ »أو أحد« يلوِّثها ويوسِّخها.. وكلما كان هذا الشئ، أو الأحد، متوفراً، كلما كان احتمال التلوث كبيرًا !! وكلما حدث ذلك تحسنت الحال وكثر تردد الزبائن .. ثم .. * * وكما يهبط الوحى، داهمت موسى الفكرة العبقرية ... فأسرع بإغلاق دكانه، ثم رآه المارَّة بعد قليل وهويطرق باب منزل جاره حسن جربوكس العامل الميكانيكى .. * * ولم تطل الجلسة بينهما، إذ شوهد بعد نصف ساعة فقط يخرج من منزل جاره الذى جاء يودِّعه حتى الباب وبينهما ضحكات وابتسامات .. وكان موسى يحمل ( صُرَّة) ضخمة من الملابس متجها بها إلى محله .. * * سرعان ما لاحظ موسى الغسال تحسن أحواله .. فملابس زبائنه لم تعد قادرة على فراقه أكثر من نهار واحد، تعود بعده ملطخة ببقع سوداء من زيوت الماكينات، ثم تخرج من عنده نظيفة، لتعود صباح اليوم التالى بحالها القديمة ... * * لم يعد يزعج موسى شئ ، سوى تنامي حجم (الصرة) التى تحتوى ملابس جاره حسن جربوكس فى كل مرة فقد نسى أن يحدد فى الاتفاق معه عددًا محددًا من الملابس، بل تعهد بغسل كل ما يبعث به الطرف التانى مقابل الخدمة التى يؤديها إليه !! * * أمَّا حسن جربوكس الميكانيكى، فلم يجد صعوبة فى تغيير عاداته اليومية فبعد أن كان يترك( ملابس العمل) فى (الورشة) أصبح يأتى مرتدياً إيَّاها مساءً إلى منزله ، ويخرج بها صباحاً ، بما عليها من بقع الزيت والسخام ، وينتظر الحافلة فى آخر محطاتها ، حتى ينال حرية الإحتكاك بمن شاء من أصدقائه ومعارفه وجيرانه داخل الحافلة المزدحمة ويتعمد أن يحيِّى فلاناً ويعانق فلاناً ويداعب فلانا ( وكلهم من زبائن صاحبه موسى الغسال) . * * المذكوران أعلاه موسى الغسال وحسن جربوكس الميكانيكى لم يتورعا عن الحلم بأي شيء.. العربات الفارهة والثراء العريض والضياع الفخمة.. كل شيءٍ حلما به.. ولكن لم يحلما قط ولم يدر بخلديهما أبدًا، أن يصبحا (أُستاذين)، بل ومفكرين ومنظرين ( للنظام الدولى الجديد)!! * * أجهزة الإعلام الغربى الضخمة والمتقدمة جدًا ، بكل ما تملكه من وكالات أنباء وإذاعات وقنوات تلفزة وصحف وأموال( مغسولة وغير مغسولة) وغير ذلك ، لا تكاد تضيف جديدًا على( خطة) صاحبنا موسى الغسال وصاحبه حسن جربوكس الميكانيكى!! فهى لا تعرف مصدرًا للرزق الحلال سوى (التلويث )ومن ثم ( الغسل).. * * تصريح من شخصية غربية تافهة القدر ، يمكن أن يصبح حديث العالم فى دقائق معدودة، خصوصاً إذا كان ذلك التصريح يتهم أويدين أو يسعى لتشويه سمعة دولةٍ ما.. نظامٍ ما ، أو مجتمع ما ، ولكن الطريق ليس مغلقا تماماً أمام هذه الدولة أو تلك الحكومة إذا أرادت أن تزيل ما لحق بسمعتها من أوضار و أوساخ ما دامت قادرة على دفع الثمن ، فسوف تجد من يقوم بغسل سمعتها( وكيها) وتلميعها من داخل ذات الآلة الإعلامية التى قامت بعملية التلويث!! والثمن هنا أنواع - _ أن تدفع مبادئها وقيمها ومبررات وجودها المعنوي، ثمناً( للغسال) الذكى وهو ثمن يعرف كيف يستثمره ليدر له البلايين!! - أو ، إن كانت دولة نفطية ، أن تشتري بملايينها النفطية صحفاً وقنوات وإذاعات ، توجهها من عواصم الغرب لغرض واحد ،هو عملية غسلها وتلميعها كلما استدعى الأمر (وكثيراً ما يستدعي ) وهذا قيمته معروفة ، إذ إن قابض الثمن فى النهاية هو الغرب صانع الأجهزة والآلا ت ، والقائم على صيانتها ، و( ولى نعمة) صحفييها والعاملين عليها !! - أو إن كانت دولة فقيرة ولاتريد بيع مبادئها تجتهد فى بناء إعلام خاص بها، يسهم فى رد الكيد عنها ..وهنا أيضاً لابد من شراء أجهزة ومعدات مصنوعة ( هناك)!! يعني ما فى طريقة.. موسى الغسال وراها وراها !!