بعد إعلان الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش عن إنشاء القيادة الأمريكية الإفريقية «آفريكو» في عام 2007 تزايدت في منطقة القرن الإفريقي حشود القوات الأمريكية، وهذا مثَّل نقلة نوعية فى الفهم الإستراتيجي الأمريكي لأهمية دور إفريقيا في السياسة العالمية، وبذلك بدأ الوجود العسكري في القارة الإفريقية، خاصة أن القارة الإفريقية تحتل مكانة ذات حيوية بارزة في الإستراتيجية الأمريكية. الحرب على الإرهاب: وبعد أحداث 11 سبتمبر نشطت هذه القوات في محاربة الجماعات المسلحة في الصومال، ومنع امتداد نفوذ القاعدة والجماعات المتحالفة معها، والتأكيد على دور بعض القوى الإقليمية، اتخذت الولاياتالمتحدة الحرب على الإرهاب مبرراً ومدخلاً لتعزيز وجودها في المنطقة، وسعت إلى بسط نفوذها على القارة الإفريقية من خلال القواعد العسكرية والمسارات بأبعادها الاقتصادية والتعاون العسكري والاستخباراتي، وهذا دعا البعض أن يصف الإستراتيجية الأمريكية بأنها «التكالب على آفريكوم» وفق تصريح الجنرال «روبرت موللر» بأن هدف أمريكا هو ضمان تدفق النفط والمواد الخام، وأكد جنرال أن شعارها في المرحلة القادمة مكافحة الإرهاب. مظاهر الوجود العسكري الأمريكي: يعود الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة عندما حصلت الولاياتالمتحدة من إثيوبيا على محطة اتصالات «كاجيتو» في أسمرا، ثم عززت وجودها في الصومال وكينيا عام 1910م، وقد أدت تجربة التدخل العسكري القاتل في الصومال في عام 1993 إلى ابتعاد الولاياتالمتحدة من التدخل العسكري إلا أن «11» سبتمبر غيرت من الإستراتيجية الأمريكية التي تبنت عملية انتشار واسعة للقواعد العسكرية حول العالم، فتأسست قوة المهام المشتركة في «19» أكتوبر 2002 في إطار عملية الحرية الدائمة لمحاربة الإرهاب. وتتمثل مسؤولية هذه القوة في مكافحة الإرهاب في الصومال، كذلك اتخذت من إثيوبيا قواعد عسكرية لها تضم قاعدة جوية فى مدينة «ارباممنش» للطائرات المسلحة إضافة لقاعدة «دير عردة» التي يوجد بها عناصر كوماندوز أمريكيون، والملاحظ أن الوجود العسكري الأمريكي في إفريقيا خاصة الدول المجاورة للسودان يتزايد عاماً بعد عام، ويبدأ بالاتفاق على إقامة مناورات عسكرية مشتركة ويتطور للحصول على تسهيلات عسكرية في المطارات والموانئ ثم ينتهى بالاتفاق على إقامة قواعد عسكرية كبيرة متكاملة تستخدمها الولاياتالمتحدة في شن الحرب على من تصفهم بالأعداء. تأثير قليل: وعن تأثير الوجود العسكري للدول المجاورة وأثره على الأمن السوداني، قال الخبير العسكري اللواء حسن ضحوي ل «الإنتباهة» إن دولة جنوب السودان أصبحت عازلاً بالنسبة لدول يتمركز فيها الوجود العسكري مثل يوغندا وكينيا، وبالتالي تأثيره على الأمن القومي قليل إلا إذا دخلوا جنوب السودان خاصة أنه لا يوجد في معاركنا في جنوب كردفان والنيل الأزرق أجانب يقاتلون مع المتمردين. حسن الجوار: ويرى العميد «م» محمد العباس أن القوات الموجودة دائماً لدول الجوار إما أن تكون قوات صديقة لها أو دولاً لها علاقة إستراتيجية، لذلك لا بد من قوات حماية للمتمردين في الدول المجاورة خاصة في حالة عدم استقرار عسكري وسياسي ولا بد من علاقات حسن الجوار بين الدول حتى نحافظ على مستويات ممتازة مع دول الجوار لأننا نواجه تمرداً في جنوب كردفان والنيل الأزرق ويجب أن تكون هناك سياسة واضحة حتى لا تستخدم هذه القوات سلباً على الأمن القومي، ولا بد أن تكون المصلحة الاقتصادية هي المصلحة الحقيقية بعيداًعن التهديد بأعمال مسلحة. التغلغل الأمريكي: الجدير بالذكر أن التغلغل الإسرائيلي في إفريقيا نجد أن تمركزه في دول المحيط الإقليمي للسودان وإقامته لشبكة من العلاقات المتميزة مع العديد من هذه الدول الإفريقية في كل النواحي السياسية والاقتصادية والعسكرية، حيث تتمكن إسرائيل في المستقبل من محاصرة السودان وتفتيته باعتباره العمق الإستراتيجي لمصر والدول العربية والمعبر الذي يربط الأمة العربية، إضافة لتمكين إسرائيل وفرض سيطرتها على منابع النيل الذي يمثل الشريان الرئيس الذي يمد مصر والسودان بالمياه مما يمثل تهديداً لأمن كل من مصر والسودان. طمس الهوية السودانية: انتهجت إسرائيل عدة أساليب لمحاصرة السودان وطمس هويته العربية والإسلامية التي تعتبر معادية لليهود والصهيونية، واهتمت بتكثيف الوجود الإسرائيلي في دول المحيط الإقليمي للسودان خاصة الإقليم الشرقي للسودان ومنطقة شرق إفريقيا، حيث عملت على تقوية علاقتها مع إثيوبيا وأريتريا وأبرمت مع أريتريا العديد من الاتفاقيات العسكرية والأمنية والسياسية والزراعية وأرسلت الخبراء والمستشارين لتنفيذ هذه الاتفاقيات، ومن ضمنها إعادة تأهيل مشروع «على قدر» الزراعي على الحدود السودانية، هذا إضافة للوجود الإسرائيلي في جيبوتي في القاعدة الفرنسية والقاعدة الأمريكية التي أُنشئت، مستفيدة من ذلك في مراقبة الدول العربية المطلة على البحر الأحمر ورصد الساحل السوداني، وأصدق دليل على ذلك الغارة الجوية الإسرائيلية على قافلة لقبيلة الرشايدة في شرق السودان وضربها بحجة أنها تحمل أسلحة لقطاع غزة، والملاحظ أن الوجود العسكري للدول المجاورة للسودان لم يقف حيال إنشائه قواعد عسكرية، حيث أنه ظهر بصور جديدة واستخدام أساليب أخرى لاختراق الأمن القومي السوداني بتحركه دون قيود، واختطافه لبعض السودانيين وظهر ذلك جلياً في الآونة الأخيرة عندما كشف تاجر مواشي يدعى ياسين أحمد موسى ملابسات اعتقاله من قبل قوات المارينز الأمريكية بمعاونة القوات اليوغندية في دولة إفريقيا الوسطى في شهر فبراير الماضي، وإصابته في عدة أجزاء من جسده جراء إطلاق النار عليه مما أدى لفقدانه رجله اليسرى، وقال ياسين في حواره مع «الإنتباهة» بمطار الخرطوم عقب وصوله إنه تم اختطافه من قبل المارينز بمزاعم أن له علاقة بجيش الرب. وأضاف أنه تم التحقيق معي من قبل استخبارات الجيش اليوغندي، وعندما فشلوا في إثبات ذلك أطلقوا سراحي وسلموني لسفارة جنوب السودان في كمبالا.