«بيع الأرض مقابل الخدمات»، بعبارته تلك أخبرنا وزير التخطيط العمراني بولاية النيل الأبيض محمد أحمد شنيبو عن وصفة حكومته لمعالجة أزمة تعثر الإيرادات وضعف التمويل من المركز، وقادتني العبارة لتذكر الساعات الأولى من الصباح ونحن ثلة من الصحفيين نمتطي عربة متوجهين لولاية النيل الأبيض ملبين دعوة رسمية من حكومة النيل الابيض، وتحديدًا من وزير التخطيط العمراني والمرافق العامة بالولاية محمد أحمد شنيبو لهدف محدد من حكومة الولاية وهو محاولة إيصال أن بالولاية عملاً يُنجز في صمت لصالح المواطنين ولتنفيذ برنامج انتخابي للحزب الحاكم كان قد أعلن التزامه به، وكانت الولاية طيلة الثلاثة أعوام السابقة تحاول أن تقوم بما عليها في صمت دون ضجيج الاحتفالات وأضواء الإعلام، وربما أدخل عليها هذا المنهج الكثير من المشكلات من معارضيها ولكنها آثرت الصمت أمامه، ولعل الهدف الثاني من أسباب موافقتي على الزيارة أو الدعوة رغبتي القوية في تلمس المهددات الأمنية المحدقة بالولاية لا سيما والولاية على الحدود مع دولة الجنوب إضافة لما يُثار هذه الأيام من أنباء وشائعات عن حشود للجبهة الثورية والجيش الشعبي على الحدود أو بسبب قرب الولاية من مناطق العمليات الأخيرة في أم روابة وأبوكرشولا وبالطبع ولاية جنوب كردفان حيث المسرح الكبير للعمليات، كل هذه المؤشرات جعلت الولاية بمثابة حائط الصد الأول لأي محاولات أو تهويشات لغزو الخرطوم مع وجود نوايا معلنة من الجبهة الثورية لغزو العاصمة، كل ما سبق جعلنا نهتم جدًا بزيارة الولاية لمعرفة ما يدور بها عن قرب، وبمجرد وصولنا آثرنا الدخول مباشرة في الأعمال وفي المؤتمر الصحفي الذي لبينا دعوته لعامل الزمن الذي يحتِّم علينا الرجوع في ذات اليوم للخرطوم، واستجاب صاحب الدعوة بدوره لمطلبنا بكل طيب خاطر، وبدخولنا لقاعة المؤتمر بنادي الضباط بكوستي وجدناها قد امتلئت على كبرها بأعداد كبيرة من كبار الموظفين بوزارة التخطيط وربما كان هدفهم توفير المعلومة المتكاملة إذا ما طُلبت من الإعلاميين وبدأ الوزير شنيبو في تقديم كم هائل من المعلومات مصحوب بعرض من البروجكتر عن خدمات قطع بأن وزارته نجحت خلال ثلاثة أعوام في تنفيذها بكل الولاية وكان بين كل كلمة وأخرى وكأنما يقرأ ما يدور بأذهاننا من أسئلة واستغراب للكم الهائل من الإنجازات المختلفة في مجال الكهرباء والمياه والطرق والصحة التي نفذتها الحكومة، كان يردد ويؤكد استعداده أن يثبت لنا بيانًا بالعمل كل ما أنجز على الميدان، وحقيقة لقد هالنا ما تم من إنجازات، وربما ما أذهلني أنا أكثر الصمت الذي تلتزم به الولاية تجاه ما أُنجز، لمعرفتي أن كل المسؤولين وحكومات الولايات وحتى الحكومة المركزية تقيم منصات الاحتفالات لأتفه الأشياء للإعلان عنها وربما يكون الاحتفال بمبالغ مالية تفوق قيمة المنجز المحتفل به، ومضى شنيبو في القول إن هم حكومة الولاية هو الاجتهاد في توفير الخدمات الأساسية للمواطن ودفع شنيبو من خلال اللقاء بكتاب يمثل خلاصة ما أنجزه خلال الأعوام الثلاثة الماضية من حفر آبار وبناء مدارس ومراكز صحية ومستشفيات ومحطات كهرباء، وكشف عن تمكن الوزارة من تحصيل الربط المطلوب في كل العام في أقل من 6 أشهر بفضل التسهيلات والمرونة في الدفع الذي تقوم به الوزارة حيث تم توفير «32» مليون جنيه من خلال هذا الجزء من العام من الربط البالغ «36» مليون جنيه، وأشار إلى تمكُّن الوزارة من تخطيط مدن كاملة ومخططات سكنية لكل العائدين من دولة الجنوب، وأوضح أن كل ما هو متاح من أموال تم توجيهه للخدمات، ويشير شنيبو إلى أن الإشكال الوحيد الذي يواجههم يتمثل في مجال الطرق باعتباره أمرًا اتحاديًا وكشف عن اتجاه لهم للجلوس مع وزارة الطرق للحديث عن خطة لتوسعة طريق «كوستيالخرطوم» لحصده للكثير من الأرواح، وعندما سألنا عن من أين توفرت كل هذه الأموال الضخمة للقيام بكل هذه النشاطات لعلمنا بمحدودية الإيرادات بكل الولاية طرح لنا الوزير وصفتهم السحرية لتوفير المال «الأرض مقابل التنمية»، والتي لخَّصها في قيام الحكومة ببيع أجزاء كبيرة من أراضي الولاية لتوفير الخدمات للمواطن الشيء الذي نجحت فيه الولاية نجاحًا باهرًا، ويقر شنيبو بوجود تعثر في موضوع إنارة ما يزيد عن الأربعين قرية كان قد تم توقيع عقودات إنارتها من قبل، وأرجع ذلك للظرف الاقتصادي بالبلاد ولارتفاع سعر الصرف الشيء الذي أثر على كل الأسعار، وأشار إلى اضطرارهم للجلوس مع الشركات المسؤولة عن الإنارة لتعديل الأسعار من جديد، وأكد قرب البدء في المشروع، وقطع شنيبو أنه بنهاية العام سيتم إعلان الولاية خالية تمامًا من العطش. بدوره رسم والي الولاية، والذي التقيناه بنهاية الزيارة، رسم واقعًا جديدًا لولايته وأكد أنهم قاموا بالترويج لإمكانيات الولاية بطريقة لم يسبقهم عليها أحد مشيرًا لتطويعهم للقوانين لصالح مواطنهم .ربما ما يبدو ما قامت به حكومة ولاية النيل الأبيض من إنجاز فوق التصورات ولكن يبقى المقياس الوحيد لما تم هو رضى المواطن نفسه لما أُنجز، ولعل هذا ما قاد وزير التخطيط العمراني لإعلان استعداده لفتح الولاية من أقصاها لأقصاها للاستيثاق ميدانيًا مما تحقق ومبديًا عدم ممانعته أمام أي مجموعة من الصحفيين للبحث وللاستيثاق ميدانيًا مع استعداده لتوفير العربات للقيام بذلك، ودَّعنا الولاية على أمل أن نقوم بزيارة أخرى، وغالبًا لن تكون لزيارة عاصمة الولاية بل لزيارة أقاصي الولاية وللاستيثاق مما تم.