يبدو أن الاتجاه شرقاً نحو الصين أصبح ضرورة حتمية بفعل التغير الذي طرأ على الساحة العالمية سياسياً واقتصادياً وحتى عقدياً، فقد قيل في الأثر إن طلب العلم واجب على كل فرد، وإن طلبه واجب حتى ولو كان في «الصين». ولعل إيراد كلمة الصين في هذا المثال الحي يأتي لبعدها عن الدول التي تحيط بها، ويربطها بها تقارب آيدولوجي رغم بعد المسافة.. لذلك كان التعامل مع الصين بالنسبة للواقع السوداني ضرورة تحكمها الظروف أيضاً المحيطة به. فقد واجه السودان صعوبات جمة بعد إعلانه الانفكاك عن الدول الاستكبارية الكبرى كأمريكا وغيرها بعد أن شرع في اعتماده على نفسه، ورأى أنه لا يمكن أن يتمكن من استخراج نفطه إلا بمعاونة دولة ذات ثقل عالمي وقد كان، فاستطاع السودان بتوجهه نحو الصين أن يبني لنفسه أرضية اقتتصادية صلبة، فكانت التجربة حاضرة رغم أن الصين ما زالت تتعرض لهجوم الدول الاستكبارية التي ترى ضرورة انسحاب الصين من الواقع السوداني، في الوقت الذي ذهبت فيه معظم مناطق التعدين النفطي لدولة الجنوب عقب انفصالها الشهير. هذا الموقف المميز للصين في الخريطة السياسية والاقتصادية جعلها تكون أفضل الشركاء والحلفاء الاقتصاديين والسياسيين مع السودان من خلال حزب التحالف الماثل بين حزبي المؤتمر الوطني الحاكم والحزب الشيوعي الصيني الحاكم أيضاً. وقد وقع الطرفان اتفاقيات لتبادل الخبرات من خلال العمق الإستراتيجي للصين في قارة آسيا وحجم وتأثير الحزب الشيوعي الصيني في الخريطة الآسيوية وحاجة المؤتمر الوطني لهذا التحالف في الوقت الذي شهد العديد من المتغيرات على الساحة الدولية والإقليمية والمحلية. وعلى ضوء زيارة نائب رئيس الحزب نافع علي نافع إلى الصين هذه الأيام بمعية وفد كبير ضم وزراء وقيادات من المؤتمر الوطني أكد ل «الإنتباهة» الباشمهندس قبيس أحمد المصطفى نائب أمين الإعلام بالمؤتمر الوطني أن الزيارة تأتي في إطار الحوار الإستراتيجي بين الحزبين الكبيرين المؤتمر الوطني السوداني والحزب الشيوعي الصيني حول القضايا الإستراتيجية في نصفه الثاني وقد انعقد النصف الأول من الحوار بالخرطوم في يناير من العام الماضي برئاسة نائب الرئيس الصيني ونائب رئيس المؤتمر الوطني د. نافع. وأكد أن الحوار الدائر الآن بين الطرفين يهدف إلى عمق جديد أكثر مما كانت عليه العلاقات الثنائية بين السودان والصين سابقاً. وقال قبيس إن وفد الوطني للصين تكون من رجال أعمال سودانيين بجانب كوادر قيادية في المجالات المختلفة فيما برز جانب التدريب كأهم العناصر والمحاور التي ترتكز عليها الزيارة. وأفاد قبيس أن الحوار الإستراتيجي بينهما تطرق إلى كل القضايا والمحاور الإستراتيجية بين البلدين، وقال إن الصين بالنسبة للسودان عمق إستراتيجي لا حياد عنه، وأنها دولة صديقة وتوجد شراكات كبيرة وعديدة بين البلدين في كل الاتجاهات، وأن الحوار الإستراتيجي في نسخته الثانية يهدف إلى تعميق العلاقة بين الحزبين. وعن مدى تفاعل الحزبين مع نقل الخبرات ودرجة استفادة كل حزب من تجارب وخبرات الآخر قال نائب أمين الإعلام بالوطني إنها واحدة من القضايا الإستراتيجية التي أمن عليها الحزبان، وأكد عليها الحوار الإستراتيجي في تأهيل وتحسين الأداء التدريبي والانتفاع بهذه الدورات في نقل التجارب بين البلدين، وقال بقدر استفادتنا من التجربة الصينية قد استفاد الصينيون من تجربتنا التي كانت معتبرة جداً ومفيدة لهم. كما وأن التجربة الصينية رفدتنا بالكثير من الخبرات التي لا غنى عنها في عالم اليوم. وأكد أن منسوبي الوطني من الذين نالوا هذه الدورات في الصين استطاعوا أن ينزلوها إلى الطبيعة العملية، وكانت لها الأثر الملحوظ في الأداء العام لتلك القيادات مما انعكس بدوره على أداء الحزب بصورة أكبر. فيما أكد أن الوطني معني بتدريب أفراده فقط شأن كل الأحزاب، وأن كل الدورات كانت حصرياً على قياداته وأن قائمة من تلقوا التأهيل في الصين خلت تماماً من عضوية الأحزاب الأخرى، مضيفاً بقوله: إن الوطني كغيره من الأحزاب التي لها علاقات خارجية يسعى كغيره في تأهيل وتدريب عناصره، كما أن الأحزاب الأخرى تقوم بذلك منفردة. ولكن القيادي بالوطني والأمين السياسي لولاية الخرطوم الأستاذ عمر عبد الرحيم باسان اختلف مع قبيس في تأهيل القيادات من خلال الدورات المذكورة، وقال إن الدورات التي نفذها الوطني في إطار الشراكة الإستراتيجية مع الشيوعي الصيني كثيرة تكاد تكون على مدار العام وفي كل المجالات، مؤكداً استمراريتها، وأنها لم تكن حصرية على أعضاء وعناصر المؤتمر الوطني فقط، وإنما شملت عدداً من أعضاء وقيادات الأحزاب السياسية الأخرى التي تربطها علاقات متينة بالوطني، مضيفاً أن ذلك يأتي في إطار تقديم العمل السياسي والعمل على تطويره في السودان كله، وأكد أن الدورات استفاد منها بلا شك كل الذين نفذوها من القيادات وكان لها أثر واضح وملموس في التجربة السياسية من خلال ملاحظتنا لها. وأشار باسان إلى الرابط التاريخي بين البلدين الكبيرين السودان والصين، مؤكداً أن الدورات وحجم التبادل في نقل التجارب بين الحزبين إنما يهدف لبناء علاقات أكثر تميزاً من خلال تنمية القدرات والاستفادة من خبرات الآخر في الإطار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي لمواجهة تحديات العصر، مؤكداً أن الصين ما زالت الشريك السياسي والاقتصادي للسودان في كل المحافل الدولية والإقليمية.