يعملون في ساعات مبكرة من الصباح ومتأخرة من الليل يتسمرون أمام القلايات والقدور يقطعون ويعدون ويطبخون لتقع على عاتقهم كل المسؤولية وشعارهم الأول النظافة والدقة ولا بد أن تتوفر فيه بعض الصفات أهمها الحزم الشديد فلا يسمح لكل من هبَّ ودبَّ أن يتذوق أو يُدخل يده أو يجهز صينية قبل وقت الوجبة، والأهم أن يتمتع بحرفنة في توزيع الأكل وحرفية في كمية الطعام الموضوعة في الأواني! وبالرغم من أن الطبخ هو من صميم عمل المرأة إلا أن الرجال أكثر مهارة وجودة وغالبيتهم اشتغلوا بهذا المجال ويتهمهم البعض أن لغتهم نسائية وهي محض افتراءات لأنه أصبح علمًا وفنًا ودراسة تُعد لها مسابقات عالمية. لو دخلت إلى منزل كورينا أحمد الحكاري في حي العرب الأم درماني لعرفت من الوهلة الأولى أنه طباخ متبحِّر في عمله جاهز لكل زمان أو مكان، فلديه كل ما يتعلق بمهنته حتى أدق الأدوات فتحدَّث لنا بالتفصيل عن المهنة قائلاً «خلال عشرين سنة قضيتها في الطباخة لم أزل بعد أعتبر نفسي غير ملم بها فهي مهنة اللانهاية، كل يوم تضاف لها أشياء وتخرج منها أشياء تتبدل وتتغير على طبائع الناس والمجتمع، ففي السابق كان من تكون مناسبته بنظام السفرة هو الأرقى والعزيز يتحدث الناس عن وليمته أما الآن فيعتبرونه متخلفًا وقديمًا. ويكون الأجر على حسب وضع الشخص والطريقة التي يريدها، فإذا كانت على طريقة السفرة يكون أجر الطباخ مائتين للخروف الواحد وثمانمائة للثور، وإذا أراد الأطباق فكل طبق له سعره ابتداء من الأقل وهو اثنا عشر جنيهًا إلى الأعلى فيبلغ سعره الثلاثين جنيهًا مضيفًا أن الفترة ما بين العيدين تعتبر موسمًا للطباخين لأن معظم السودانيين يقيمون أفراحهم فيها. المسلم يجمع بين عدة مهن منها الطباخة فهو لا يعتبرها مهنة يعتمد عليها الشخص فهي موسمية تأتي للطباخ في الشهر مرة أو مرتين ولهذا يعمل في عدة مهن أخرى حتى يستطيع أن يغطي احتياجات أسرته. أما عبد الله فقال إن أكثر شيء يكرهه في عمله كطباخ هو التدخل في عمله ففي مرة خرج من بيت المناسبة بسبب إحدى النساء أرادت أن تحشر أنفها في عمله، وبعد نقاش معها ترك لها المكان متخليًا عن أجره الذي اتفق عليه وقال: يمكن بعد كل هذا ألا تجد أجرك فتأتي وتذهب حتى تأخذ حقك وهناك من يماطل فتمل من كثرة المماطلة فتترك له ما تبقى. إبراهيم نصر قال إن مهنة الطباخين ارتبطت منذ القدم بالرجال فنادرًا ما تكون هناك طباخة متخصصة للعزومات الكبيرة، ويعتقد أن السبب وراء ذلك يرجع لطبيعة المهنة التي تحتاج لقوة تحمل وأيضًا الوجود خارج المنزل أثناء الليل ولفترات طويلة. الطباخ حسن ذكر أن عدم توفير الأواني اللازمة لعمله هي من أكثر المشكلات التي تواجه الطباخين مما قد يتسبَّب في ربكة للعمل فيتأخر خروج الوجبة في موعدها فيكون الطباخ هو المتضرر من ذلك فيتهم بالكسل «الململة» ويؤثر ذلك على سمعته كطباخ. أما حمد فقال: على الطباخ أن يخرج من مكانه في المناسبة ويسمع تعليقات الحضور على المأكولات التي صنعها حتى يستطيع أن يحسِّن من جودتها في المرة القادمة، وكذلك عليه أن يراعي أن من بين الحضور من هو مريض بالسكري والضغط والمصران فيزن المقادير حتى يكون الطعام بالصورة التي ترضي الجميع. «محيي الدين» ما زال في بدايته لا يقتصر طموحه على أن يكون طباخ ولائم وعزومات بل يحلم أن يجيد كل فنون الطباخة ويتعلم جميع أنواع المأكولات، قال: أنا أعتبر أن الطبخ علم فيه الابتكار والتجديد فكلما اجتهد الشخص وطوَّر مقدراته تحسَّنت خدماته التي يقدمها إلى الناس فجميع الناس يحبون التجديد والتميُّز لتخرج مناسبته بصورة يفتخر بها بين الناس، والطباخ الحصيف هو الذي يخترع الجديد حتى يُرضي عملاءه. الطبخ علم اجتاح العالم فباتت السفرة شيئًا خاليًا تجد الفاكهة بصحبة اللحم والمشويات والفاكهة مع البهارات وتجد المذاق يأخذك إلى عالم خيالي بدأ معظمه يصلنا في السودان مما دفع بحواء إلى اقتحام العالم في محاولة لفك غموض الطلاسم.