من المؤكد أن جهل الكويتب اليساري الحداثي السوداني اللخمي وفير غزير كما وصفناه. ومن آيات ذلك أنه لا يستحي أن يتردى في الخطأ تلو الخطأ وكأنما الخطأ عنده هو الأصل المبتغى، وليس الصواب عنده هو الأمل المرتجى. قرن الشك والمجون أم قرن العلم والصلاح؟ فكل من قرأ كتاب الدكتور طه حسين «حديث الأربعاء» واستمتع بالفصول الحلوة التي عقدها في استعراض أدب عمر بن أبي ربيعة وغيره من شعراء القرن الثاني الهجري، لاحظ الخطأ التعميمي الذي تورط فيه هذا الذي دُعي عميد الأدب العربي، فإنه جازف بالقول بأن القرن الثاني الهجري كان قرن شك ومجون. وهذا ما استفظعه عميد الأدب العربي الحق الدكتور عبد الله الطيب فقال أنَّى لهذا القرن القريب جدًا من عهد المبعث أن يكون قرن شك ومجون؟ وقال: «وما أرى ضلالاً في الرأي أكبر مما ذهب إليه بعضهم من أن انحلال ترف الحياة في الحجاز هو السبب الاجتماعي الذي يمت إليه غزل عمر وأضرابه. فالقائلون بهذا القول ينسون أن الحجاز كان موطن الفقه والنسك والعبادلة وتلاميذهم كعطاء، ومجاهد، وعكرمة، وموطن سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وهشام بن عروة، وابن عمر، وتلميذه نافع، وموطن مالك، وابن إسحاق. نعم لا يخلو من اللهو زمان أو مكان. ولكن الزعم لمجتمع كان أمر الدين عليه أغلب أنه كان مجتمع انحلال ذلك خطأ بلا ريب». ولكن الملخوم اللخمي الذي يعتمد في ثقافته على ملخصات من نفايات فكر التغريب والتبعية اقتبس مقولة طه حسين واستند إليها وكأنها نظرية لا يدانيها الباطل من أي جانب! وقال: «وهناك أيضًا ملاحظة مهمة ذات صلة بهذا الأمر، «أي أمر تقصد يا ملخوم فقد لخمتنا معك؟!» وجديرة بالتأمل، وهي أن عصر التدوين، قد بدأ في ظل المؤسسة الدينية، «ليس في الإسلام مؤسسة دينية كما كان الحال في التجربة التاريخية للمؤسسة الإكليروسية الكاثوليكية الأوروبية التي تستلهمها يا ملخوم!» في القرن الهجري الثاني الذي وصفه طه حسين بأنه عصر الشك، والاضطراب الناتج من تداخل الثقافات، والأعراق، والشعوب. فاستبعد التدوين ما لا يتوافق وشروط الإمبراطورية الإسلامية، «ليس هنلاك امبراطورية الإسلامية يا ملخوم، وإلا فمن أباطرتها؟ إن هنالك فقط ما عُرف في التاريخ الإسلامي بالخلافة الإسلامية وليس الامبراطورية الإسلامية فأنت ما تزال ملخومًا تهذي بمصطلحات الثقافة الغربية التي تتأثر بها وتصدر عنها بشكل بافلوفي تلقائي!» واستوعب ما وافق هذه الشروط، وعضونه «دي ما مفهومة خالص!» في جسد الثقافة الإسلامية». تشكيك الملخوم في الحديث النبوي وبعد هذا التخليط السليط اتجه الملخوم اللخمي الذي يقتات على النفايات المستخلصة من تدوير نفايات المستشرقين إلى التشكيك في سلامة الحديث النبوي الشريف بدعوى أنه كتب في وقت متأخر. وهنا قال: «كما يغفل هذا الموقف أيضًا، الصراع الذي دار في صدر الإسلام بين المشافهة، والكتابة. فالأديان نتاج الحقبة الشفاهية، وفي تلك الحقبة حفظت نصوصها في الذاكرة، قبل أن يتم تدوينها، فيما بعد. لقد ورد عن الرسول قوله: «لا تكتبوا عني شيئًا سوى القرآن، ومن كتب عني غير القرآن، فليمحه». ولما استؤذن أن يدون حديثه، قال مستنكرًا: «أكتابًا غير كتاب الله تريدون؟ ما أضل الأمم من قبلكم، إلا ما اكتتبوا من الكتب مع كتاب الله.» وورد عنه أيضا قوله: «إنما ضل من كان قبلكم بالكتابة». عن موسوعة السرد العربي، للدكتور عبد الله إبراهيم، الجزء الأول، الصفحة 44». والطريف أن الملخوم اللخمي جلب أحاديثه عن مرجع علماني معاصر من تصنيف المدعو عبد الله إبراهيم ظانًا أن صاحبه حجة في تخريج الحديث النبوي الشريف مثله مثل الإمام الألباني في العصر الحديث! وربما عده مثل الإمام البخاري والإمام مسلم في العصر القديم! والزعم الذي ردده هذا الماركسي اللخمي بصدد السنة النبوية ودعوى أنها كُتبت في وقت متأخر بعد أن ظلت وقتًا طويلاً عرضة للنسيان زعم طفق المستشرقون الأوروبيون يرددونه طوال قرنين من أجل التشكيك في المصدر الثاني للإسلام. وأما الحديث الذي نقله المختار اللخمي عن من يدعى عبد الله ابراهيم الذي نقله عن المستشرقين فهو حديث صحيح رواه مسلم. وتمامه: «لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه وحدثوا عني ولا حرج ومن كذب علي [قال همام أحسبه قال متعمدًا] فليتبوأ مقعده من النار«. وقد نقل الإمام النووي في شرحه هذا الحديث عن القاضي قوله: كان بين السلف من الصحابة والتابعين اختلاف كثير في كتابة العلم، فكرهها كثيرون منهم، وأجازها أكثرهم، ثم أجمع المسلمون على جوازها، وزال ذلك الخلاف. واختلفوا في المراد بهذا الحديث الوارد في النهي، فقيل: هو في حق من يوثق بحفظه، ويخاف اتكاله على الكتابة إذا كتب. وتحمل الأحاديث الواردة بالإباحة على من لا يوثق بحفظه كحديث: اكتبوا لأبي شاه وحديث صحيفة علي رضي الله عنه، وحديث كتاب عمرو بن حزم الذي فيه الفرائض والسنن والديات، وحديث كتاب الصدقة ونصب الزكاة الذي بعث به أبو بكر رضي الله عنه أنسًا رضي الله عنه حين وجهه إلى البحرين، وحديث أبي هريرة أن ابن عمرو بن العاص كان يكتب ولا أكتب، وغير ذلك من الأحاديث». إذن فالنهي عن الكتابة لم يكن إلا لمنع الاتكال عليها وترك الحفظ، وفي غير ذلك الجانب بقيت الكتابة مباحة. والأمثلة السابقة التي في شرح الإمام النووي شاهد على ذلك. وبذلك فلتخرس ألسنة المستشرقين الحاقدين ولتكف عن ترديد الدعوى ألسنة أبنائهم الحداثيين الببغاويين السودانيين. ابن حنبل والمعتزلة ومن تخليط إلى تخليط ينقل الملخوم اللخمي عن ملخوم مثله هو ربيب المستشرقين ووكيلهم الدكتور محمد أركون: «أن المسيحية قد ورثت الإمبراطورية الرومانية الغربية، ثم الشرقية، أي أن المسيحية قد وجدت الدولة قائمة، بينما الإسلام نشأ في منطقة لم تعرف ظاهرة الدولة المركزية في تاريخها، فالإسلام هو الذي أنشأ الدولة، وقد كانت دولة ثيوقراطية قابضة، ملك عضوض، لذلك كان الكثير من العلماء، والمفكرين، والكتاب، جزء «يقصد جزءاً!» من جهاز هذه الدولة، لذلك كانت مهمتهم الأساسية هي تبرير توجهات هذه الدولة، ومن خالفها واجه مصيره المأساوي، مثال لذلك واقعة أحمد بن حنبل حول خلق القرآن مع المعتزلة. لذلك يجدر التعامل بحذر مع نصوص هذا التراث». وواضح أن هذا النص من إنشاء الملخوم اللخمي وليس من إنشاء أركون. وذلك بدلالة ركاكة تركيبه وفساد نحوه. وبعد هذا هل يا ترى يعرف هذا الملخوم اللخمي معنى الثيوقراطية وأنها ليست الملك العضوض كما زعم؟ فالثيوقراطية هي حكم الكهنة ورجال الدين، وليس الملك العضوض كذلك بالضرورة. وبعد هذا هل يدري الملخوم اللخمي أن الحكم الثيوقراطي لم تكن له سابقة في الحضارة الإسلامية على الإطلاق؟ وأما تخليط الملخوم مختلط العقل عن المعتزلة وابن حنبل فهو يسوقه عن جهل تام ومن غير أن يدرك له معنى أو مغزى. فقد كان المعتزلة «وهم حداثيو ذلك العصر ومتغربوه الناقلون عن الثقافة اليونانية» هم الطغاة المتحكمين الذين أساؤوا إلى إمام السلف وأهل السنة والجماعة الإمام أحمد، بعد أن رفض الإذعان إلى عقيدتهم في خلق القرآن الذي هو كلام الله وصفته ولا يمكن أن يكون مخلوقًا. وهذه العقيدة بالذات نقلها المعتزلة من جدل اليهود عن التوراة وهل هي مخلوقة أم لا؟ ولو فقه الملخوم اللخمي معنى قصة خلق القرآن ومغزاها لما استشهد بها لأنها تدحض دعواه. ولكن أنَّى لملخوم مثل الملخوم اللخمي أن يفقه شيئًا مما يلغو به ويثغو!