عطبرة التي روَّضت العطبراوي الهادر وجعلته يتعانق مع النيل النبيل، عطبرة التي أخذت من الهدير صفة النار ومن صمود النيل صفة الحديد فجمعت بين الصفتين معاً فأصبحت عاصمة الحديد والنار!! عطبرة التي ألَّفت بين العطبراوي الثائر والنيل الصابر رقدت على ملتقاهما درّة لكيلهما. عطبرة تلك العفيفة النظيفة التي تنام مبكراً وتصحو مبكراً، وتوقد نارها لتدبّ الحياة في كل أرجاء السودان تستقبل قطاراً لترسل أُخر في كل الاتجاهات!! عطبرة الحنون الطيبة القلب، رغم اتصافها بالحديد والنار، فهي طيبة حقاً وحنون صدقاً على من يريدون لها الخير، وحديد محمى حتى الإحمرار لمن يريد بها شراً فقد كانت من أوائل من رفع الشعار ضد الاستعمار في أربعينيات القرن الماضي!! ماذا فعل بك هؤلاء؟! هل جنيت على أحد منهم؟! لا أعتقد، فما عرفته منك وعنك أنك تضمِّين إلى صدرك الحنون العلماء والنبلاء تماماً كما تفعلين مع الصعاليك وشذاذ الآفاق، حتى أصبح للصعاليك فيك قيم أخلاقية خاصة بهم يتعاملون وفقها فيما بينهم!!. أذكر مشاعر كبار الموظفين فيك عندما يأتيهم خطاب نقل من عطبرة إلى الخرطوم أو إلى أي مدينة أخرى في السودان الحبيب، يكاد الواحد فيهم أن يقيم مأتماً لأن مغادرته لعطبرة أقرب للموت منه إلى أي أمر آخر!!. حتى إن معظم من عملوا بك وأتوك من مدن أخرى استقر بهم المقام فيك بعد المعاش فمنهم من امتلك منزلاً في الفكي مدني وحي السوق والموردة وغيرها من أحيائك العريقة فمنهم من مات ومنهم من ينتظر وما بدلوك تبديلا!! عظمة عطبرة لم تكن عظمة مصنوعة ولا موضوعة إنما هي عظمة فطرية وُلدت معها يوم كانت الداخلة وفي العام 1899 أي قبل مائة وأربعة عشر عاماً دخلها القطار فصرت عطبرة حيث أصبحت ناراً لذلك القطار تشعل الطريق لنمو اقتصاد السودان كله، فكنت أول من أشعل تلك النار لتنير الطريق للاقتصاد والتواصل. أبعد كل هذا تعاقبين؟ في العيد الماضي حضرت كعادتي لقضائه بين أحضانك فأنت الأم الرؤوم، ولكن ساءني أن أجدك في حالة يُرثى لها من القاذورات والأوساخ، فكتبت وفي ظني أن هناك قلوباً تحس وعقولاً تعي!! وعندما عُدت إليك في هذا العيد، وجدتُ الجميع يلبسون الجديد أما أنت فقد ألبسوك الأوساخ والقذارة رغماً عن أنفك. وجَّهت خطابي إلى شركة النظافة في المرة السابقة ولم أجد رد فعل، وتوصلت إلى حقيقة مفادها أن القائمين بأمر النظافة في المدينة عاجزو القدرات حتى على النظافة التي هي جزء من الإيمان!! لذلك لن أوجه إليهم لوماً فما لضرب بميت إيلام، فالكتابة عن هؤلاء مضيعة للوقت وإرهاق للقلم وتبديد للمداد، ومضيعة للوقت!!. ولكن سأصعد اليوم إلى أعلى إن كان هناك علو بمعنى كلمة علو، سأصعد درجة أعلى أليس هناك معتمد لمدينة عطبرة؟! وإن كان موجوداً فهل يسره أن يكون على رأس معتمدية أغرقتها القاذورات..؟ وسأصعد في ذات الدرجة وأسأل إن كان هناك وزير صحة بالولاية والشوارع امتلأت بالمياه واتَّحدت مع القاذورات في تكامل مذهل وأبت السايفونات في الشوارع إلا أن تضع بصمتها هي الأخرى لتشارك في المأساة!!. ألا يظن وزير الصحة أن هذا يدمِّر صحة البيئة التي تم تدميرها فعلاً وهو ورفاقه في الحكم ينظرون؟ الماء غير المعالج والذي يأتي مباشرة من المصدر فينقل الأمراض ولعل وزير الصحة أدرى منى بالأمراض التي ينقلها الماء وعلى رأسها الكوليرا التي درج وزراء الصحة على إضفاء اسم دلع لها يعرفونه بالنزلات المعوية!! ثم أعرِّج إلى وزير الشؤون الهندسية وقد أصبح على خبر غرق محطة المياه الجديدة والتي يُفترض أن تغذي عطبرة وضواحيها والدامر وضواحيها بالمياه الصالحة للشرب، ولن أسأله كمهندس «وهذه مهنتي التي قضيتها في عالم المياه أربعين عاماً» سأسأله منذ اليوم الذي غرقت فيه المحطة هل نام قرير العين هانيها؟! إن كان قد فعل فأنا في دهشة لهذا الصمود الخرافي!! لن أدخل في تفاصيل هندسية تُدخل القارئ في ملل وعطبرة الجريحة في كلل ولكن كيف غرقت المحطة يا وزير الشؤون الهندسية، إن كانت هناك حقاً شؤون هندسية!! وبعدها سأصعد إلى قمة الهرم في الولاية إلى ذات الوالي وأقدم له أسئلة صريحة: هل أنت ملم بما يدور في الولاية، وبالذات في مدينتي عطبرة والدامر وباقي مدن الولاية الأخرى!! هل أنت أيها الوالي على علم بما يدور في شؤون الصحة ومصارف المياه، وحالة المياه التي يشربها المواطن، وإن كنت تعلم فما هي البرامج الإسعافية والآنية والمستقبلية للقضاء على هذه الظواهر التي تهدد حياة المواطن الذي وُلِّيت أمره!! وهارون الرشيد قال مخاطباً لسحابة مرت على سماء بغداد ولم تمطر «أمطري حيث شئت فسوف يأتيني خراجك» فهل يا ترى سيأتيك خراج هذا الخريف الطيب، وهل أعددت العدة ليأتيك هذا الخراج، هل فكرت يوماً أو دعوت من يفكر من أصحاب العلم والمعرفة ليضعوا لك المشروعات لحصاد تلك المياه وتوجيهها إلى الأراضي الخصبة ليزرع الناس وترعى مواشيهم، أم تركت السيول تدمِّر ما أمامها وتبقى آسنة لا تسقي زرعاً ولا تُبقي ضرعاً!!. الكهرباء التي تنعم بها مدن السودان تُحرم منها عطبرة، انقطاع متكرر للتيار ولساعات طويلة، هل يصدق الوالي أن أحد المواطنين ذهب ليبلغ عن انقطاع التيار في الحي فكان الرد عليه بأن أمامك ثلاثمائة بلاغ سنحضر إليك بعد أن نصلح ثلاثمائة عطل!! أعتقد أن الشيخ أسامة عبد الله كفيل بكف هذا العبث وهذا بلاغ إليه شخصياً!!. أما عطبرة فستبقى رغم أنف أولئك الذين يتجاهلونها وهم مسؤولون أمام الله عنها وعن رعاياها وآخر قولي: اللهم أبدل عطبرة قوماً غيرهم ثم لا يكونوا أمثالهم..