الكتاب الذي يشمل المعرفة في كل الاتجاهات الدينية والاجتماعية والسياسية، الكتاب له مكانة سامية في حياة أهل الثقافة والعلم، وكما قيل خير أنيس في الزمان كتاب.. وقيل قديماً إن القاهرة تكتب وبيروت تطبع والخرطوم تقرأ أما الآن فلا الخرطوم تقرأ ولا أم درمان تقرأ إلاّ من رحم ربي، وقد صار الكتاب في المنزل مكتبة فاخرة وكتبًا فاخرة مليانة بأنواع الكتب ولكن مين يقرأ ومين يطالع؟ ورُصفت الكتب بتنسيق مثل البترينة التي تضعها المرأة في داخل المنزل مليئة بأنواع الكبابي والصحون الفاخرة، وإذا كان هناك أي محل فاضي في البترينة تذهب المرأة للسوق تشتري عدة لتضعها في مكان الفراغ.. ولا يمكن استعمال كوز أو كباية أو صحن من هذه البترينة إلا في حالة ضيوف من الدرجة الأولى والاستعمال في المنزل يكون من الكيزان القديمة والكبابي التعبانة.. كذلك سيداتي سادتي ينطبق هذا الحال على المكتبة في المنزل مرصوصة بها الكتب في منظر بديع.. وتكون مسجونة في مكانها لا تتحرك لقراءة لا أحد يقرأ ولا أحد يتهجّى.. هذا حال المكتبة في هذا الزمان العجيب وهي تشكو من الإهمال، بل الكتاب ظل سجيناً يتفاخر صاحبه قائلاً للزائر هذه مكتبتي.. ولربما يتذكر نوعية الكتب التي فيها.. وذات مرّة زرت أحد الإخوان بمنزله وشهدت المكتبة الفاخرة وقلت له هل طالعت كتب المرحوم الأستاذ الطيب محمد الطيب وهي المسيد والإنداية وغيرهما، قال هي عندي بهذه المكتبة منذ سنة كاملة ولكنني لم أطالعها، وضحكت قائلاً: أظنك تطالع قوون والمريخ والهلال وهلمجرا يا صاحب المكتبة؟ قال لي والله ما عندي وكت يا عمدة.. هكذا صار حال الكتاب وإذا أراد الله لك أن تزور المكتبات بالعاصمة اذهب لمكتبة الدار لصاحبها الشيخ مكاوي بها ثلاثة طوابق تزخر بالكتب من كل الأنواع وكذلك مكتبة مروي بوكشب وغيرها من المكتبات بالعاصمة يأتي البعض يتفرج ويخرج إلا من رحم ربي ثم انظر للكتب المفروشة على الأرض بأنواعها وذات مرّة كنت أبحث عن بعض الكتب النادرة مثل ملامح من المجتمع السوداني وذكرياتي في البادية للأستاذ حسن نجيلة وسحارة الكاشف للأستاذ محمود أبو العزائم وبعد جهد وجدتها من الكتب المفروشة بالشارع.. هكذا أيها السادة تحضرني قصة الكتاب والمكتبات بصاحب مكتبة بمنزله بدامر المجذوب هو الراحل المقيم مهدي الطيب، زميل دراسة وصديق عزيز، هذا المهدي كان قارئًا نهمًا ولن تجده يوماً إلا والكتاب في يده وله محل تجاري بعطبرة كان بعمارة محمود عباس حينما يتحرك من الدامر بالمواصلات كان يحمل الكتاب معه يطالع فيه وحينما يصل إلى الدكان نجده جالسًا يطالع، وهو تخرج في المدرسة الأولية معنا 1945م ولم يواصل تعليمه ولكنه تعلم من منزله وكان ذا ثقافة عالية حتى اللغة الإنجليزية أجادها.. وصار من كبار المثقفين والعلماء في كل المجالات.. ولكنه كحال الحياة الزائلة رحل لتلك الدار الآخرة، عليه الرحمة والرضوان، وترك مكتبة بها آلاف الكتب من جميع أنواع المعرفة وما كنا نبحث عن كتاب الا نجده عنده.. ولما توفاه الله قرر أخوه أن ينقل المكتبة إلى نادي الدامر ونُقلت فعلاً بإشراف زميله وصديقه الأستاذ العلامة حسن محمد النعيم ولكنها لم تجد قارئاً من شباب النادي وظلت مهملة.. حتى طالبنا أخوه ميرغني أن ترجع هذه الكتب للمنزل وأن يُعطى بعض منها للمدرسة الأولية التي تخرج فيها وأن يعطى جزء منها لجامعة النيل لتكون ذكرى: ولكنه رفض هذه المقترحات والشورى وأحضر الكتب ووضعها على الأرض في صورة لا تليق بالكتاب وقال إنه سيضعها بالمنزل والعائز يطالع يحضر يقرأ في المحل، وطلبت منه أن أستلف بعض هذه الكتب ولكنه رفض قائلاً لا يمكن، وظلت الآن هذه الكتب العظيمة على الأرض وسوف تذورها الأرضة لتقطع أطرافها، وذكري هذا في عالم الكتاب تقديراً للصديق القارئ الراحل مهدي الطيب.. ثم إنني أسأل الله أن يعود زمن الكتاب وأن يطالعه الناس وألّا يظل الكتاب منظراً وديكوراً مثل بترينة العدة وسلام وتحية وتقدير للذين يطالعون الكتاب للمعرفة ثم إنني سوف أتقدم بكتابي مذكرات عمدة سابق الجزء الثاني الذي هو في طريقه للمطبعة أقدمه للذين يعلمون قدر الكتاب ومن أراد كتابًا هدية أو بقروش عليه أن يتصل ب 0118488939 أو 09122115853 هذا للعلم والمعلومة عن الكتاب والسلام.