عجبت لما سمعت أن شاعر الهوى والشباب، نزار قباني، أنشأ قصيدة في مدح إمام الهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان مما أجبت من جاءني بالخبر: إن هذا ضرب من المحال أو خيال أقرب إلى المحال، فهيهات أن يفلح شاعر فاسق مثل نزار. وأنَّى له أن يبلغ هذا شأوًا شاهقًا مثل هذا فيهنأ بمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان في الخاطر حين قلت ما قلت ما ذكره الشيخ إبراهيم النبهاني، رحمه الله، في تفسيره لعجز المتنبي وأبي تمام عن مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد رد الشيخ على ما قيل من أن سبب إحجامهما عن مدح المصطفى، صلى الله عليه وسلم، هو إقرارهما بالعجز مقدمًا عن إيفاء الحبيب المصطفى، صلى الله عليه وسلم، حقه من المدح، وخشيتهما أن يمدحاه بشعر نازل عن المقام الأسنى. وقال وهو يدحض هذا العذر المفتعل إنه لا يوجد شك في أن جميع الشعراء عاجزون عن مدح المصطفى، صلى الله عليه وسلم بما يليق به، إذ لا يعلم حقيقة مقامه إلا سيده العظيم عز وجل. ولكن هذا لم يمنع الشعراء من مدحه، صلى الله عليه وسلم، للتقرب إلى رضا مولاه سبحانه وتعالى بقدر استطاعتهم. فإن الله شرع لنا على لسان نبيه، صلى الله عليه وسلم، أن نحمده تعالى ونشكره ونثني عليه، مع عجزنا، كمال العجز، عما يجب له ويليق به سبحانه وتعالى. وكم مدح النبي، صلى الله عليه وسلم، نظمًا ونثرًا من أمته من الصحابة فمن بعدَهم سادات أجلاء الواحد منهم أكثر أدبًا مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من ملء الأرض من مثل المتنبي وأمثاله. ولكن السبب الصحيح الذي أراه لعدم مدحهم له عليه الصلاة والسلام أن مدحه من جملة الطاعات والعبادات، فيحتاج للتوفيق من عند الله تعالى للعبد حتى يتيسر له فعله. وهؤلاء وأشباههم لم يوفقوا لهذه الطاعة العظيمة لعدم تأهلهم لها، بسبب ما اتصفوا به من أخلاق الشعراء، من نحو توغلهم في الكذب بأبلغ العبارات في المدح إن رضوا والذم إن غضبوا. فضلاً عن تعديهم على أعراض الناس، وقذفهم المحصنات، والتشبيب بمُعيَّن النساء والغلمان، ونحو ذلك من السفاهات. وكفى بذلك مانعًا لهم من مدح النبي، صلى الله عليه وسلم، ما لم يتوبوا. إذ الظلام والنور ضدان ففي آن واحد لا يجتمعان. وكونهما من أكابر الشعراء لا يقتضي تأهلهم لعبادة الله، بمدح نبيه وحبيبه الأكرم، صلى الله عليه وسلم. فإنا نرى كثيرًا من الأغنياء لا يحجون، ولا يزكون، ولا يتصدقون، ونرى بعكسهم كثيرًا من الفقراء. كما نرى كثيرًا من الأقوياء لا يصلون، ولا يصومون، ولا يقومون الليل، ونرى بعكسهم كثيرًا من الضعفاء. وما ذلك إلا بتوفيق الله تعالى لكثير من الفقراء والضعفاء، وعدم توفيقه لكثير من الأغنياء والأقوياء. فكذلك يقال هنا يُحرَمُ المتنبي وأمثاله من الشعراء من هذا الخير العظيم في مدح النبي الكريم، صلى الله عليه وسلم، ويرزقه كثير من العلماء والصالحين ممن بضاعتهم في الشعر قليلة بتوفيق الله تعالى لهم.