ظهر منظفو الأسماك في أسواق السمك حديثًا حيث كان في السابق يأتي السمك نظيفًا من مكان اصطياده بسبب عدم توفر المبردات والحافظات خوفًا من تلفه، فالسمك معروف بسرعة تلفه ولهذا فإن أغلب الصيادين كانوا ينظفونه حتى يبقى أطول فترة ممكنة ولكن بعد التقدم وظهور الحافظات الحديثة أصبح السمك يأتي كما هو دون أي تنظيف حتى لا ينقص وزنه من قبل الصياد والتاجر الذي يزن الكيلو والسمكة مكتملة ولكن بعد أن يقوم بالتنظيف تجد أن الوزن قد نقص كثيراً. ومنظفو الأسماك كان جلهم من الأولاد الصغار الذين يعملون في السوق بمهن متعددة ولكن مع ازدياد نسب البطالة والفقر أصبح الشباب والرجال الذين لا يجدون عملاً يعملون بهذه المهنة.. تحدث لنا طه عن تلك المهنة موضحًا كل ما كان خافيًا على الناس قائلاً: كثير من الناس يسخر من عملنا ويقول لك مستهزئًا «ده شغل تشتغله»، وكل صاحب مهنة يرى أن مهنته هي الأهم وتحتاج إلى خبرات ومهارات ومجهود، هؤلاء غير مدركين أن نظافة السمك أيضًا تحتاج لمهارات من سرعة وخبرة فأنت أمام تحدٍ في أن تنظف أكبر كمية من السمك وفي أحيان أخرى تقوم بتقطيعه «فلتو» إذا أراد الزبون أن يكون خالي شوك، ونقوم بذلك في أقل وقت ممكن لأن نظافة الكيلو لا تزيد عن الجنيه الواحد فكلما كنت أسرع كسبت الكثير من المال. الجيلي طالب بالمرحلة الثانوية وهو من الذين يأتون إلى السوق من الصباح الباكر لينظف الأسماك قبل الذهاب إلى مدرسته قال في إفادته لنا: آ تي إلى السوق وأُصلي الفجر ثم أبدأ عملي إلى أن تأتي الساعة السابعة ولو كان العمل قليلاً أنتظر ساعة أخرى وبعدها أتوجه إلى المدرسة، وأضاف أن لديه زبائن معينين من تجار السمك وأصحاب المطاعم والكافتريات ينظف لهم السمك ولكن إذا تأخراحدهم ينتظره لعدة دقائق فإذا لم يأتِ ينقص معدل دخلي اليومي وهو في العادة مابين الثلاثين والأربعين جنيهًا. أما يوسف فقال إنه أتى إلى هذا العمل بحكم أنه لا يجيد صنع شيء بعد أن قضى الكثير من عمره في الدراسة وفي النهاية لم يجد وظيفة ليدله صديقه إلى هذا العمل ففكر في البداية في أن يعمل ليصرف على نفسه ويبحث عن وظيفة ولكن دون أن يشعر وجد نفسه قد امتهن نظافة الأسماك ولم يستطع التخلي عنها أو تركها. ويرى جلال أن تنظيف الأسماك لا يمثل له مهنة رئيسية بل يعتبرها عملاً اضافيًا صباحيًا لأن الساعة العاشرة يكون هذا العمل شبه انتهى إلا القليل منه فهو يعمل من الصباح في التنظيف إلى العاشرة حيث تقل الحركة في سوق الأسماك ليقوم بنشاطات أخرى ترفع من دخله داخل السوق. ويختلف معه فضل الذي قال: «والله هي أحسن من اللف» بالدرداقة أو الوقوف في الشمس لساعات طويلة في بيع خضار أو فاكهة وفي النهاية يكون المكسب مثل مكسب التنظيف غير أن التنظيف أسهل وأريح ومكسبه أسرع وأضمن من تلك الأعمال التي يمكن أن تقضي كل يومك فيها ويصيبك التعب والإرهاق دون استفادة كبيرة.