في العام الماضي زرنا بعض قرى الولاية الشمالية التي تشكو من الإهمال المريع في الخدمات، وقلت حينها لمرافقي إن هذه القرى لا مثيل لها في تردي وشح الخدمات. وفي نهر النيل الكثير من القرى تشابه أهل الشمال في الإهمال، وكذلك الحال في كسلا والبحر الأحمر و.. و.. و.. كل قرى السودان تعاني الإهمال. ظهر الجمعة المنصرم شاركت محمد ابن أخي التيجاني في عقد قرانه بقرية الفريجاب إحدى قرى الحصاحيصا، ووجدتها مثل بقية قرى السودان تعاني ما تعاني من تدني الخدمات. ورغم ذلك هي أفضل حالاً من قرية أبو قوتة التي لا تبعد كثيراً عن الخرطوم، وكذلك أفضل حالاً من قرى شرق الجزيرة التي يعاني أهلها كثيراً من الإهمال. من قبل كنت أتحدث مع أحد الأصدقاء عن إهمال القرى وعدم توفر الخدمات لها، فضحك صديقنا بقوة وقال لي الإهمال في المدن موجود بكثرة وليس القرى. الخرطوم بمكانتها الكبيرة يعاني أهلها من تردي الخدمات وانعدامها في العديد من المناطق. الريف الجنوبي يبحث أهله عن الخدمات الصحية والتعليمية ولا مجيب. جبل الأولياء يبحث أهلها عن الخدمات. وخلاف الخرطوم الكثير من مدن السودان الكبيرة يبحث أهلها عن توفر الخدمات الضرورية التي تريحهم من عناء السفر للخرطوم لتلقي الخدمات العلاجية. وهذا التردي المخيف في توفر الخدمات لمسناه من خلال الاتصالات المتكررة من أبناء الولايات في الكثير من المدن والقرى، وكذلك في الزيارات الميدانية، فأهل القرى تحديداً لا يريدون شوارع معبدة ولا إنارة الشوارع، بل يحلمون بمياه نقية ولو كانت من الحفير، وكهرباء يذاكر بنورها أبناؤهم حتى لا تُضعف «الرتاين» أبصارهم.. أهل الريف يريدون شفخانة تتوفر فيها الأدوية المهمة بالنسبة لهم بإشراف طبيب يحترم مرضاه ومواعيده، وبرعاية من وزارة الصحة ومعتمد المحلية.. أهل الأرياف يحلمون بمدارس تحترم أدمية أبنائهم وهم يحصلون دروسهم اليومية من أجل إخراج أجيال سليمة عقلياً وجسدياً. إن توفير الخدمات للمواطنين في القرى والمدن تقع مسؤوليته الأولى على رأس معتمدي المحليات إلى جانب ولاة الولايات الذين يتعاملون بالتقارير دون الزيارات الميدانية لمعرفة نواقص رعاياهم في القرى البعيدة، وهذه واحدة من المشكلات الكبرى التي تجعلنا نسير للوراء دون تحقيق التنمية وتوفير الخدمات لأهلنا في القرى والحضر. وهذا أيضاً ما جعل الكثير من أهل تلك المناطق يهجرونها بحثاً عن الخدمات في بعض المدن الكبرى التي تتوفر فيها الصحة والتعليم وغيرهما من الضروريات. الجميع يحلم بالاستقرار وسط أهله ومسقط رأسه، ولكنه لا يستطيع فعل ذلك لشح الخدمات وانعدام بعضها. فهل يتحقق حلم السودانيين؟ «نرجو ذلك».