«أية دولة في العالم الثالث وبامكانات محدودة يكون المعدل الطبيعي للتأمين شرطي لكل «200» فرد، وبالخرطوم لو قدرناها بستة ملايين مواطن فنحن لا نملك «50%» من هذا المطلوب»، هذا الحديث فصله المهندس ابراهيم محمود حامد وزير الداخلية في حواره مع «الإنتباهة»، الا انه أكد حزمة من الاصلاحات والترتيبات لتحسين اوضاع الشرطة التي لم يكن لها وجود على حد تعبيره في تسعينيات القرن الماضي، متناولاً في هذا الصدد التدابير والاجراءات الأمنية والخطط التي أعقبت أحداث الشغب التي شهدتها البلاد أخيراً، واشار وزير الداخلية الى جملة من الاستراتيجيات والخطط المتعلقة بالسلامة العامة والسيطرة على الجريمة بكل أشكالها، وكشف الوزير عن تفاصيل جديدة حول الاحداث الاخيرة، والعديد من القضايا المتعلقة بأمن واستقرار البلاد. فلتكن حقيقة الوضع الامني بالبلاد مدخلاً لهذا الحوار؟ تقييمنا للوضع الامني يأتي من خلال متابعتنا اليومية والأسبوعية والشهرية للأوضاع الأمنية عموماً، وفي نهاية العام يصدر كتاب فيه كل التفاصيل لرؤية الحالة العامة، ولدينا «18» ولاية، ونستطيع القول ماعدا ثلاث ولايات بعد تقسيم لايات دارفور إلى «5» ولايات فيها تمرد، وسوى ذلك لا يوجد شيء يذكر، والمشكلات الأمنية في اطار الوقائع الجنائية العادية، أما في ولايات التمرد فترتفع وتنخفض فيها النسب والمعدلات. ماذا عن التقييم للأحداث الجنائية؟ هناك تقييم من الوزارة للأحداث الجنائية، والجرائم مصنفة، فهناك جرائم كبرى وعقوباتها تصل إلى عشر سنوات أو أكثر مثل جرائم القتل والنهب والاختطاف والاغتصاب والانتحار، وهي جرائم كبيرة. وهناك جرائم عادية وبلاغات بجهود الشرطة كالحملات الروتينية، فنأتي بكل هذه الأشياء ومن خلالها يتم تقييم الحالة الأمنية، لذلك أقول لو أخذنا بالمعايير المتعارف عليها دولياً وبالمقارنة مع الدول المشابهة لنا، فإننا نجد السودان أفضل من كل الدول المجاورة رغم الظرف الأمني الموجود. فصل لنا هذه الأفضلية؟ أفصل في نوعية الجرائم وحجمها وكفاءة الشرطة، والمعيار هو جريمة قتل لكل مائة ألف أو لكل عشر آلاف من السكان، ولنا نشرات دورية تصدر باستمرار لكل هذه الجرائم من مخدرات ونهب وسلب، وبمقارنتها على كل مستوى العالم نجدها افضل، وهذه النسبة لا علاقة لها بزيادة أو نقصان السكان. أيضاً من خلال موقع الأممالمتحدة في الانترنت نجد الجرائم وتصنيفها، وبعد ذلك تصنف الدول بهذا المعيار. وهناك معيار آخر لو أردنا الحديث عن الحالة العامة في كل ولايات السودان، فالمواطن يستطيع التحرك وهو آمن ما عدا الولايات المعروفة، وهناك بعض الدول تحظر الخروج بعد المغرب، لذلك نرى أنه لو بالمعيار العام أو المعيار العالمي فإن الوضع في كل ولايات السودان جيد. الزيادة كماً وكيفاً «يواصل وزير الداخلية حديثه عن المعايير الامنية ويقول»: لو اخذناها بالمعايير الأخرى فماذا وفرت الدولة لتساعد الأجهزة الأمنية؟ ويكون واضحاً للعيان الجهد المبذول لتوفير الأمن والاستقرار للمواطنين، فالشرطة منذ عام 2008م وحتى اليوم زادت اكثر من 50%، وهذا معناه زيادة في أمور كثيرة كماً وكيفاً، ويمكن ملاحظة استيعاب فنيين في معاهد عليا، وكلية الشرطة الآن اصبحت كلية جامعية والحد الادنى للقبول فيها«75%»، وبعد ذلك لو أخذنا الاتصالات فإنها بجهدنا أو جهد الدولة أصبحت متاحة.. صحيح أن لها وجهاً آخر، ويمكن أن تكون وسيلة للجريمة، الا اننا قفزنا في هذا الجانب، والأمر الثاني وسائل الحركة، فكنا نتحدث عن «420» مركبة في عام 2008م، والآن أكثر من « 14» ألف وسيلة في هذا العام، وكل ما نذهب نرى هناك حاجة، مثلاً مدينة نيالا بها «16» عربة، ونرى أنهم يحتاجون لزيادة مركبات النجدة والعمليات، وأقول لا توجد مشكلة كبيرة إلا بولايات الحرب، ولكن عموماً توفير الأمن وشعور المواطن به متوفر. في أحداث الشغب الأخيرة لاحظنا تراخي الشرطة وعدم تصديها لأعمال التخريب.. فما الذي حدث؟ حتى الآن هي جرائم عادية سواء أكانت تخريباً في الخرطوم أو نيالا ، وأقول إن أية خطة أمنية لا تنفذ بنسبة «100%»، خاصة المتعلقة بأعمال الشغب والتخريب، ففي المدن الكبيرة وما شاهدناه في باريس ولوس أنجلوس يؤكد ذلك، وهي عادة ما تبدأ بطريقة غير مرتبة، وما حدث في الخرطوم كان واضحاً أن هناك استعداداً لمظاهرات، الا ان ما ظهر كان أمراً آخر، فغير الناس خطتهم للتعامل المطلوب. والمعلومات الأولية أفادت بأن هناك تخريباً من الشماسة وتم حجزهم، وهذا شأنه شأن أية مدينة لها أطراف، ومن الصعب جداً أن تتنبأ بكيفية تصرفهم، فالامر مرتبط بحالة نفسية واجتماعية، فهل يمكن ان نقول إن باريس ليس لها استعداد لمكافحة الشغب حتى جاءت الحرائق. لكن ما لاحظناه في الأحداث الأخيرة كان غريباً في تطوره خاصة عمليات العنف الشديد؟ حدث ذلك في اليوم الأول، وبعدها لم تكن هناك اشكالية، ولم يتخيل احد أن مواطناً يذهب للعنف بهذا المستوى، من حرق لعشرات البصات والمحطات، والطالب الذي جيء به نهبوا حاجاته وسكبوا عليه بنزيناً وأحرقوه، والشخص يتحسب لسلوك ممكن، وهذا سلوك مربوط بحالة اجتماعية واقتصادية وموجود في كل المدن الكبيرة، وبالأطراف دائما يوجد محرومون يأتون من «عشش» إلى فلل، فاذا لم يكن هناك واعز ديني وهم ثقافي ودعوي لا يوجد ما يعصمه من الحقد، وفي أول يوم قلنا إنها لا تحتاج لمعالجة عسكرية فقط، بل معالجة نفسية ومعالجة اقتصادية، وهذا هو الاتجاه الذي نسير عليه، واية جريمة في النهاية تعتبر ظاهرة اجتماعية وتكون آخر معالجة لها هي المعالجة الأمنية. من خلال السلوك الانتقامي المنظم بالاحداث هل هناك وجود حقيقي ومشاركة لعصابات النيقرز؟ هناك اختلاف في التعريف للعصابة، ويمكن أن تقول أن هناك مجموعات كانت تأتي وتقطع الطريق وتنهب، ولكن عصابة لا، ومعروف علمياً أن العصابة هي منظمة لها هيكل وترتيبات، وحتى الآن لم نرصد بعد انتهاء المجموعات التي جاءت بعد الاتفاقية أي تنظيم مشابه، فقد جاءوا وقتها منظمين وبعدها لم نرصد ذلك، وما هو موجود الآن عبارة عن مجموعات متفلتة ولا يوجد مثل عصابات كولمبيا. هل اشتركت هذه المجموعات في أحداث الخرطوم؟ أي مجموعات خارجة عن القانون تستفيد من مناخات الفوضى والشغب، والأحداث الأخيرة يجب دراستها بالنجاحات في تأمين المرافق الحيوية والأساسية كالأسواق والكهرباء والمياه التي لم تقطع، ولا يوجد سوق كبير تعرض لنهب، وسوق ليبيا من الساعة 11ظهراً حتى 12 ليلاً قامت الشرطة بحمايته، ولدينا «248» محطة وقود في الخرطوم، فلو وضعنا عشرة أفراد فقط في المحطة تكون حراستها بالغة الصعوبة، وقس على ذلك عدد البنوك والأسواق وغيرها. هل هذا يعنى أن بالشرطة عجزاً واشكالات أخرى؟ وهل هناك ترتيبات تتم بعد الأحداث؟ بعد أي حدث تتم مراجعة الخطط لتعديلها بالمستجدات الجديدة، منذ أحداث وفاة جون قرنق وحتى الأحداث الاخيرة، وواحدة من مشكلاتنا تساقط القوة لأن المرتبات ضعيفة ونظام العمل في الشرطة بالتعاقد ست سنوات، وبعضهم لا يجدد التعاقد، وعمل الشرطة شاق جداً، مثلاً الشرطة مسؤولة من عمليات الشغب وهي في استعداد «24» ساعة وعليها ضغط شديد، وعندما يخرج منك فرد مدرب يطالب بحقوقه ويعطل ميزانيتك، وتحتاج لشخص آخر تقوم بتدريبه، ولا يمكن أن يكون كسابقه من خبرة ومعرفة وهي مشكلة حقيقية. ما هو المطلوب من القوة؟ أية دولة في العالم الثالث إمكاناتها محدودة، والمعدل الطبيعي للتأمين شرطي لكل «200» فرد، وبالخرطوم تقريباً ستة ملايين مواطن، ونحن لا نملك 50% من المطلوب. حدثنا عن علاقة الشرطة بالمجتمع؟ الأمن يوفره المجتمع، وأية منطقة في السودان بها مجتمع آمن لا تحتاج لشرطة، وأذكر مرة جاءنا مستشار قانوني من وزارة العدل وقال إنه جد مركز شرطة كبير «3» ظل مدة أسابيع بدون اي بلاغ، ولذلك واحدة من الاتجاهات الحديثة في التأمين هي الشرطة الشعبية والمجتمعية، وهي كيف يعمل الشعب لأمنه، لذلك عملنا على زيادة لجان أمن المجتمع ومعها شرطة من المجتمع، ولنا تجربة في القضارف فقد دربنا المواطنين لحماية انفسهم، وهذا اتجاه عالمي للسير نحو الشرطة المجتمعية لحماية أموالهم واعراضهم، ولو كانت هناك معلومات تخريبية او ترويج للمخدرات يتصدى لها أناس من المجتمع، واذا تم هذا التعاون فالنتائج ستكون إيجابية. لكن من خلال متابعتنا لا نرى أثراً للشرطة الشعبية؟ للشرطة الشعبية أثر كبير السودان، وأنا عملت منذ التسعينيات في كسلا وقوة الشرطة كانت هناك بنسبة 25% فقط من المطلوب باورنيك «23»، وهذا هو الأرنيك الذي يحدد المطلوب من الشرطة، وفي الفترة من عام 2008 الى 2010م نجد أن الاحتياج 25%، فالفرق كبير، وفي ذلك الوقت كانت الشرطة الشعبية تمثل 75% من شرطة الولاية، ويمكن أن يكون لديك فرد شرطة شعبية في اي حي او فريق، ويمكن ان يكون معلماً او مزارعاً او في اية مهنة. هناك حديث حول كمية من السلاح بالخرطوم.. ما هي التحوطات للحد منه؟ أقول إن كل تقاريرنا الرسمية ومعلوماتنا أثبتت أنه لا يوجد سلاح كثير في الخرطوم. لكن الأخبار تتناقل يومياً ضبطيات السلاح؟ هذه الضبطيات كلها تتجه شرقاً ولا طريق لها للخرطوم، وهو مرتبط بمناطق عمليات، وأؤكد انه لا يوجد سلاح بالخرطوم، والخرطوم الآن افضل من أي زمن مضى، والحركات عندما جاءت بسلاحها للخرطوم كان هنالك ظروف صعبة جداً، مما جعل الشرطة تقدم شهداءً، ولا توجد جرائم كبيرة بالسلاح وتكاد تكون معدومة في الخرطوم. كان هناك حديث عن لجان تحقيق عقب الأحداث فبماذا خرجت؟ لدينا ثلاثة أنواع من التقارير، أولاً تقاريا عاجلة ومهمتها خلاصات التحري مع المتهمين، وتم اطلاق غالبيتهم، وتم تقديم الآخرين لمحاكمات عادلة، وهناك لجنة من الأجهزة الأمنية لمراجعة خططها، ولجنة من الولاية والأجهزة الأخرى لترى تداعيات وأسباب الأحداث، وهذه تخرج من التقييم الأمني للتقييم العام، واللجنة الأولى انتهت من تقاريرها ومازالت اللجان الأخرى تعمل لإنهاء أعمالها.