في العام الماضي كشف مدير الرقابة على العربات الحكومية أن الجهاز يعمل بثلاث عربات فقط، في حين أن عربات الحكومة تبلغ زهاء اثني عشر ألفاً أي أن عربة واحدة مقابل أربعة آلاف عربة حكومية. فإذا اعتبرنا أن عدد العربات العاملة منها الآن «8.000» ثمانية آلاف، وأن متوسط استهلاك العربة خمسة جوالين في اليوم بما فيها سيارات الدفع الرباعي، وما أكثرها، فهذا يعني أن استهلاك هذه السيارات من الوقود يبلغ «40.000» جالون يومياً، أي ما يعادل «880.000» و «2.640.000» في الشهر أي اثنين مليار وستمائة وأربعين ألفاً بالقديم، مع العلم أن عدداً من هذه العربات لا تعمل وفق اللوائح المنظمة، وأن جهاز الرقابة يصعب عليه من ناحية عملية السيطرة الكاملة على كل هذا الكم الكبير من العربات وفق الإمكانات المتوافرة له. من هذا المنطلق دعونا نتجول مع هذا السيناريو الإفتراضي الذي يبدأ بمحمد أفندي وهو يرتدي بدلته الجديدة وحذاءه اللامع وكرفتته الحريرية منادياً سائقه قائلاً: ٭ أسمع بالله تمشي البيت وتجيب لي المعجون الطبي بتاعي والعطر الباريسي وعايزك تغشى محلات السمك الطاعم وتشتري لينا كم سمكة محترمة وبعد كده عرج على المدرسة ورجع الولد البيت، وبعد داك بتلقى المدام جاهزة عشان توديها المنشية عشان تزور أختها وما تنسى في الطريق اشترى شوية فواكه أدي المدام كيس وجيب لينا نحن كيس، وبعد داك اتوكل وتعال طوالي المؤسسة. أما حسين أفندي المعروف بالبخل وعشق الميري المجاني فقد طلب من سائقه أن يتهيأ للسفر شمالاً لزيارة والده المريض، وقال له عايزك تمشي الملجة تشتري لينا منها خضار ولحمة، فتعجب السائق وقال له تقصد سعادتك المول، لكنه فوجئ بحسين أفندي يقول بصوت عال كله إصرار: مول شنو يا زول أنا بقول ليك الملجة أنا ما لي ومحلات الضبح دي، نحن بنشتري قدر حالنا، أنا عايز شوية كوارع وكيلو لحم بعضم وشوية منقة لكن أوع تجيب لي الهندية الغالية نحن ناس متواضعين بنحب الحاجات الشعبية بتاعتنا، وكمان ما تنسى الكمونية، وهنا تضايق السائق وقال: لكن يا سعادتك أنا بقترح تشتري الكمونية لمن نصل لأن الواطة سخانة وبتعمل ريحة في العربية خاصة مع المكيف ما بتنفع. فقال حسين أفندي بس أنا خائف يكون فرق السعر كبير، فقال السائق ما يهمك خلي المسألة تحت مسؤوليتي الشخصية، وهنا أحس حسين أفندي بالارتياح وواصل مطالبه وقال: أنا عايزك قبل ما تشتري الحاجات دي كلها تشوف لي مسألة البنزين وحا أديك مذكرة لواحد صاحبنا في مؤسسة عامة عشان يديك تذكرة بنزين واللا جركانة كبيرة من الأستوك بتاعهم وبعد داك عايزك تغسل العربية غسلة نضيفة وكمان تبخرها وتراجع اللساتك عشان ما يطرشق لستك ونروح فيها ونتلحس خاصة الشارع كلو مطبات وحفر. وهنا أحس السائق أن هذه المهام الشاقة تستحق أجراً فقال لحسين أفندي: طيب ما تعمل لى شوية مصاريف في السفرة والمشاوير الكتيرة دي. فتضايق حسين أفندي وقال: أنا بصدق ليك بدل سفرية. فصمت السائق متضايقاً بعد أن أدرك أن حسين أفندي البخيل لن يعطيه أي بقشيش إزاء كل هذه الخدمات فقال له بمكر: معليش يا سعادتك أنا قلت الكلام ده لأنو سيد نادر كان بدينا ضحاكات ما بطاله من جيبو الخاص لمن تكون المشاوير الخاصة كتيرة، أما في السفر فكان يخلينا مرطبين. ويتضايق حسين أفندي أكثر ويقول للسائق في تذمر: انت يا حسان بقيت غلبنجي وكان الشغل معاي ما عاوزه ننقلك ونجيب واحد تاني، هنا خشي السائق أن يقوم حسين أفندي بنقله خارج العاصمة فافتعل الضحك والابتسام وقال: لا يا أستاذ أنا ما عندي مشكلة لكن بس أنت عارف الحالة وعلى العموم أنا برضو بدل السفرية ما بطال معاي وكفاية عليَّ، بينما أحس حسين أفندي بالانتصار ورمق السائق بنظرة خبيثة وناوله مبلغاً ضئيلاً لشراء المستلزمات التي ذكرها، في حين توجه السائق بضيق إلى السيارة. وفي تلك اللحظات دخل المسؤول الكبير وقال لرئيس السواقين أنا عايزكم تراجعوا لي العربات التلاتة كلها في وقت واحد، العربية الموجودة في البيت والاثنين بتاعت الشغل وعايزك تمشي تشتري ليهم فرش جديد وما تنسى تشتري البخور لأن البخور القديم ده أخير منو نولع لينا ضهر سمكة، وبعد داك الولد بكره عندو رحلة عايزك تجي الصباح بدري وتشتري شوية حاجات تلج وفواكه وبارد عشان ما يكون مكسوف قدام زملاهو لكن لمن تنتهوا من تجهيز عربية البيت عايزك تكلم السواق بتاعي ما يمر بالشارع من الناحية الشمالية لأنو جارنا البهناك ده عينو زي الكاوية المرة الفاتت كحلها ساكت وقعت في حفرة كسرت ركب، المرة دي لو لحق عاين ليها حينقلنا أحمد شرفي، وما تنسى كمان تغّلق التنكي كلو، الظروف بقت ما معروفة يمكن يجيبوا لينا قرار يعتبروا فيه تخزين البنزين في المؤسسات الحكومية تجنيب. هنا يضحك رئيس السائقين ويقول: عليَّ الطلاق حتى لو عملوه ما في شي بتغير، هسه إنتو التجنيب خليتو؟!