خبر خطير جداً أوردته صحيفة «الأخبار» في عددها الصادر يوم الإثنين 24/10/2011م، يفيد بأن الأمن الاقتصادي قد وضع يده على مصنع أجنبي يستخدم موادًا إسرائيلية فاسدة ومنتهية الصلاحية دخلت البلاد وتُوزَّع في أكبر المحلات التجارية بالخرطوم، وتُستخدم هذه المواد في صناعة الحلويات والآيسكريم والعصائر.. التحيّة للأمن العين الساهرة واليد الأمينة وهو يحاصر أصحاب الضمائر الخربة ليحمي الأمن الغذائي للمواطن وصحة المواطن في وقتٍ نامت فيه أعين من يطلقون على أنفسهم صفات حماية المستهلك.. «جعجعة بلا طحين».. أين جمعية حماية المستهلك من هذا الخراب؟؟!. عفواً نحن نعيش في مجتمعٍ لا يعتني بالتخصص والخصوصية، مجتمع طغت فيه المصلحة الذاتية والشخصية وأصبحت ذات اهتمامٍ أكثر من المصلحة العامة، هذا النموذج السيء والمدمِّر الذي ضبطه جهاز الأمن الاقتصادي ليس محصوراً في البقالات ومحالات المواد الغذائية فقط لكنه موجود عند بائع أي شيء بدءاً بالسمسرة في بيع العقارات والبنايات، لكنه قد تجلى في أبهى صوره عند أهم المهن الأخلاقية والإنسانية، وهو «الطب» وصحة الإنسان، وهو ما سأركِّز عليه متخذاً خبر المواد الغذائية الفاسدة مدخلاً لمناقشة هذا الجانب الذي غابت فيه الاعتبارات الأخلاقية. فكيف تحكم على من يبيع المرض في صيدلية الدواء وما هو موقع جريمته من قانون العقوبات في السودان.. في العيادات ومراكز تشخيص العلاج والصيدليات وقائع تثير الدهشة والاستغراب، هنا في هذا الجانب وفي كثير من الأحايين أن هنالك شيئاً يسمى الضمير الأخلاقي غائب إلا من رحم الله. هناك مستشفيات هي في الأصل منح خيرية فأصبحت تجارية لا يرتادها إلا المترفون، والأدهى والأمرّ أن الاختصاصيين فيها لافتات فقط، أما المعامل فتجد أن الدكتور أو البروفيسور فلان مطبوع أمام المعمل وهو الذي تخرج في جامعة كذا وزميل كلية كذا لكن الواقع أن المعمل يعمل باسمه فقط، فقد استجلب شباب حديثي التجربة ليعملوا باسمه وهو أحياناً نجده خارج البلاد، لكن الروشتة تطبع باسمه وألقابه التي يحبّها؟؟! يحدث هذا والكل يعلم أن التشخيص هو أهم مرحلة من مراحل التطبيب، وفي كثير من الحالات أن اختصاصي المعمل هو من يحدّد نوع المضاد أو الدواء وفقاً لنوع الفيروس؟!. الصيدليات هي الأخرى أصبحت مثل البقالات ممكن لأي بائع المتاجرة والعمل فيها بجانب اختلاط الأدوية البشرية والبيطرية، والأدهى والأخطر معظم الصيدليات تضم محلات لبيع مستحضرات التجميل ويعمل فيها أناس لا علاقة لهم البتة بالطب التكميلي المؤهل لشغل وظيفة خبراء التجميل.. هؤلاء يبيعون المرض والسموم من داخل صيدليات الدواء، لا أدري هم يدركون ذلك أم «بجهالة»؟؟!. المتاجرة في الكريمات والمساحيق ومستحضرات التجميل لديها مخاطر وأضرار صحية ونحن نشاهد أن كثيرًا من الفتيات يعانين من «خدوش في الأجسام وتورم» كلها ردود أفعال سالبة لاستخدام منتجات تجميل نتيجتها التهابات جلدية وسرطانات وتدمير كلى وغيرها.أحدث الإحصائيات الطبية أكّدت أن هناك أكثر من تسعة آلاف نوع من المواد الكيميائية تدخل في صناعة مستحضرات التجميل بعضها يشكِّل خطراً مباشراً على البشرة، مع الاعتبار أن هناك مستحضرات مصنوعة من المواد الطبيعية وهذه ليست لها أضرار لكن مَن يعي ذلك.. من يدرك أن الخل وزيت السمسم يمتصان أشعة الشمس ومرطبان للجسم ويغذيان البشرة. ومن يدرك أن أخطر المواد الكيميائية «الكحول» وتستخدم في صناعة أحمر الشفاة وبعض مواد «غسول الفم والمعاجين» وثبت أنها سبب أساسي لسرطان اللثة واللسان والبلعوم.. من يدرك أن حامض الفاهدروكسيل المستخدم في تركيب المستحضرات الخاصة بتقشير البشرة وإزالة الخلايا الميتة هو أخطر مستحضر على الصحة وهو الذي ينتزع الطبقة الواقية للجلد ويسبِّب تلف الخلايا الداخلية وقد يؤدي الإفراط في استخدامها للإصابة بسرطان الجلد والأمراض الجلدية الأخرى.. من يدرك أن الجلسرين المستخدم في صناعة كريمات الترطيب للبشرة هو في الحقيقة يعمل على جفاف الجلد الداخلي ويضعف خلاياه. هذه بعض ملاحظات أبديتها من فوضى العلاج وواقع بيئة الصيدلة والمعامل التي هي تعيش حالة إهمال وواقعًا مريرًا وبعض أهلها يبيعون الموت للناس مما يتطلب تفعيل سلطة القانون ورقابته وأن تمتد عيون ورقابة الأمن إلى داخل هذا القطاع المهم الذي بدأ يدخل الشك وعدم الثقة في نفوس الناس، وأن كثيرًا من الحالات التي ذهبت إلى الخارج بحثاً عن العلاج في المرحلة الأخيرة وبيدها أوراق من معامل ومراكز صحية سودانية ثبت خطأ التشخيص فيها وأن الحالة التي حولت إلى الخارج لم تصل حد السوء الذي وصفت به.. عذراً هذا الواقع لم يكن موجوداً في الماضي غير أنه قد برز مؤخراً مع دخول الشراكات والاستثمارات الأجنبية الخالية من الرقابة والتي يتعامل معها مؤسسياً في السودان بثقة مفرطة بل بإعجاب أحياناً. الطب مثل الحضارة لا تباع ولا تشترى ولا يمكن لأحد من باعة المخلفات والسوء أن يبيع لنا قيراط صحة، لا بد من الاعتبار الأخلاقي أولاً في هذه المهنة التي من نافلة القول نطلق عليها إنسانية.