* بدايةً: الأوضاع في جنوب كردفان وأبيي كيف هي حسب ما تقرأه؟ * بعد هجوم الحركة الشعبية على القوات المشتركة التي كان فصيل من القوات المسلحة ضحية فيها كان رد فعل الجيش السوداني أن احتل أبيي احتلالاً كاملاً وطرد الحركة وكانت تهدف الحركة الشعبية من خلال هذا الهجوم إلى فرض سياسة الأمر الواقع في أبيي، والآن الجيش يسيطر على كل أبيي والحركة الشعبية ذهبت إلى الأممالمتحدةوالأممالمتحدة على الرغم من أنها وعبر ممثلها في السودان قد أدانت الهجوم على القوات المشتركة وقوات الجيش السوداني إلا أنها قد انحازت انحيازًا واضحاً للحركة الشعبية وطالبوا الجيش السوداني بالانسحاب الفوري من أبيي وإلا سيعرض لكذا وكذا من عقوبات مجلس الأمن تحت البند السابع والآن الاتفاقية التي تمت مؤخرًا في أديس أبابا هي اتفاقية ثلاثية الأطراف بين (حكومة شمال السودان وحكومة جنوب السودان ودولة إثيوبيا) بأن تأتي قوات إثيوبية قوامها حوالى 4300 جندي لجعل أبيي منطقة منزوعة السلاح ليس فيها وجود للجيش السوداني أو الجيش الشعبي. * ماهي مكاسب الحكومة في الخرطوم من اتفاقية أديس أبابا؟ * برأيي أن حكومة الشمال استفادت كثيرًا منها لجهة أن الاتفاقية ذكرت بأن أبيي شمالية بحسب حدود 1/1/1956م ولكن أمريكا تتحرك الآن في اتجاه أن لا يكون هذا الاتفاق الثلاثي (اتفاقية أديس أبابا) هو الحل وإنما تريد أن تمثل إثيوبيا القوات الدولية وأن تنضم القوات الإثيوبية إلى القوات الدولية في جنوب السودان وعليه فإن الحكومة قد رفضت هذا بصورة نهائية لأنها لا تريد أن تكون الأممالمتحدة طرفاً في هذا الاتفاق باعتبار أنه تم بواسطة الاتحاد الإفريقي والسودان يخشى من قوات الأممالمتحدة بعد أن ظهر تحيزها للحركة الشعبية وثبت ذلك مرارًا وتكرارًا وعليه فعاجلاً أم آجلاً ستأخذ هذه القوات أوامرها من أمريكا وليس من إثيوبيا وهو الغرض الذي تعمل عليه الآن وزيرة خارجية أمريكا. * إلى ماذا كانت ترمي الحركة الشعبية من خلال التصعيد العسكري في جنوب كردفان وأبيي؟ * التصعيد العسكري في جنوب كردفان يختلف عن التصعيد في أبيي، فالذي في جنوب كردفان هو مواصلة لمخطط الحركة الشعبية وإستراتيجيتها القديمة التي تتعلق بالسودان ككل وهي أن يقوم سودان جديد وسودان علماني وقد بدأوا في تنفيذها مباشرة بعد توقيع نيفاشا وعندما جاء وقت الانتخابات التكميلية في جنوب كردفان كانت هذه آخر فرصة لتنفيذه ولأن يتحول السودان إلى بلد علماني بواسطة فوز الحركة الشعبية بالانتخابات ويتم إبعاد حكومة الإنقاذ ومن غير قتال أو حرب ويتحول السودان إلى سودان جديد، لكن مشكلة الحركة والمعارضة أنهما لم يتفقا في الانتخابات الأخيرة لا على مستوى الرئاسة أو على مستوى الولاة والمجالس التشريعية وعندها لم تنجح الانتخابات في أن تكون وسيلة تستغل لتحويل السودان إلى بلاد علمانية وفق أسس جديدة وكان أن قرروا تنفيذ هذا المخطط من خلال انتخابات جنوب كردفان بأن تكتسح الحركة الانتخابات على كافة المستويات وبالتالي تفوز بمنصب الوالي ومقاعد المجلس الولائي وبعد ذلك تأتي المشورة الشعبية في جنوب كردفان وتقدِّم الحركة الشعبية شرطها الذي يقول إما أن تنضم جنوب كردفان إلى الجنوب وإما أن يكون السودان دولة علمانية، فعليكم أن تختاروا إما علمانية النظام الحاكم أو انضمامنا للجنوب وكان المخطط ينبغي أن ينفذ عبر الانتخابات الأخيرة وقد أعلنوا ذلك عندما قالوا «الهجمة أو النجمة» بمعني آخر إما أن تفوز الحركة وينفذ مشروعها ومخططها أو تقوم الحرب، وعندما شعروا أن أمر الانتخابات ليس في صالحهم بل في صالح المؤتمر الوطني والشمال لجأوا إلى السلاح واحتلال جنوب كردفان كلها ومن ثم إعلان شرط الحركة الشعبية إما انضمام جنوب كردفان إلى الجنوب أو يكون نظام الحكم علمانياً وكنتيجة لذلك حدثت أحداث أم دورين والدلنج ورشاد ولامي وفي عدد من مدن جنوب كردفان في آن واحد باعتبار أن الترتيب كان واحدًا والتنفيذ في لحظة محددة ثم إعلان جنوب كردفان منطقة محررة تمكنهم من الانطلاق إلى باقي السودان وتحريره وحتى الآن لم ينجحوا في هذا المخطط وإلى الآن جنوب كردفان ليست تحت سيطرتهم. * قطاع الشمال بالحركة وعلاقته بما حدث في جنوب كردفان وأبيي؟ * ما حدث في جنوب كردفان كان عبارة عن تنفيذ لمخطط الحركة الشعبية القديم الذي تجدد الآن، فالمنفذ ليس قطاع الشمال وحده بل الحركة نفسها والقطاع ما هو إلا ذراع للحركة تتحرك من خلاله في الشمال وتنفذ من خلاله الحركة أجندتها في الشمال وبالقطع قطاع الشمال متورِّط في تلك الأحداث ومشارك فيها. * كيف هو مستقبل العلاقة بين دولتي الشمال والجنوب في ظل التطورات الأخيرة؟ * بنظرة موضوعية نجد أن الطرفين «الشمال والجنوب» يحتاجان إلى بعضهما البعض وبالتالي ليس في صالحهما ما يحدث من توترات واضطرابات، فالشريط الحدودي الممتد من أم دافوق غرباً إلى السوباط شرقاً والذي يبلغ حوالى (2100) كيلومتر فيه مصالح متداخلة بين المواطنين الشماليين والجنوبيين سواء كانت الزراعة أو الرعي أو التجارة إضافة إلى أن هذا الشريط يتميز بمناخ الساڤنا الغنية وما لم يحدث الهدوء في هذه الحدود فالزراعة مهددة ولن تقوم أصلاً سواءً شمالاً أو جنوباً مما يحتم على الطرفين العمل على هدوء الأحوال وتهيئة الظروف الملائمة لعلاقة طيبة ولكن إذا نظرنا إلى واقع الأمر نجد أن الحركة الشعبية تنفذ أجندة ليست أجندتها بل هي تنفذ في السياسة الأمريكية والسياسية الأمريكية تريد إما أن يتغير النظام في الشمال وإما أن يظل مزعزعاً ويعاني من عدم الاستقرار والاضطراب الدائم ولتنفيذ ذلك أوعزت أمريكا للحركة بأن لا تتفق أبدًا مع الحكومة السودانية وتظل التوترات موجودة بين الطرفين ولكن عاجلاً أم آجلاً ستكتشف الحركة الشعبية بأنه ليس من مصلحتها مطلقاً أن تتوتر وتسوء العلاقة بينها والحكومة السودانية خاصة وأن الجنوب يعيش في حالة من عدم الاستقرار على المستوى السياسي والأمني والاقتصادي وحتى لكي تستقر الأوضاع في الجنوب، فالحركة محتاجة إلى أن تكون في حالة سلام مع الشمال وحتى تتفرغ تماماً للقضاء على التمرد والاضطراب في الجنوب فالحركة مجبرة للتفاوض مع الشمال لو نظرت إلى مصالحها الآنية مع الشمال وأتوقع أن تعود الحركة إلى رشدها وأن تعمل وفق مصالح الشمال والجنوب وعندها سوف تكون العلاقة طيبة بين الدولتين، ولكن لو ظلت الحركة تعمل وفق توجيه أمريكا لن ترعى مصالحها، ومعروف أن التوتر في صالح أمريكا وحينها تطلب الحركة العون الذي يأتي في شكل قوات دولية تأخذ أوامرها من أمريكا وتوضع هذه القوات على حدودنا مع الجنوب أي خلف الباب مباشرة وهذه هي سياسة أمريكا. * دولة الجنوب كيف تكون في ظل حالة التمرد والانشقاقات التي تضربها الآن؟ * ليس لدي تفاصيل كثيرة عن ذلك لكن من الواضح أن هناك عدم استقرار في حكومة الجنوب نفسها وعدم الاستقرار هذا أنهم لم يستطيعوا إيقاف التمرد الموجود في بحر الغزال والوحدة وجونقلي ومخطط التمرد هو أن يسقط الحركة الشعبية من الحكم وبالتالي هناك توتر وخوف يسيطر على قيادة الحركة الشعبية وهناك قلق لأن الحركة وقيادتها تعيش في أزمة وهذه الأزمة أثرت على اتخاذها للقرار الصائب والصحيح وهم في حالة توقع دائم لأي تمرد أو انشقاق.