{ ان اهل العلم واهل الحكم في الإسلام عيال على الماوردي في الفقه الدستوري. { إن الذي قد قدمه الإمام الماوردي للفقه الدستوري لم يسبقه إليه أحد، كما أنه ربما لن يلحق به أحد. { إن التعريفات والتسميات التي افترعها الماوردي لكثير من الاعمال الدستورية والفضائية ستظل مستودعات ومنابع ثرة للدستوريين والتنفيذيين لآماد بعيدة { من أمثال تلك التعريفات والتسميات قوله في أول سطر في كتابه الأحكام السلطانية لتعريف الإمامة «الامامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا». { انظر إلى قوله «موضوعة» وربطها بالنبوة وجعلها خلافة لها، ثم انظر إلى التفريق والمقابلة بين «حراسة» الدين و«سياسة» الدنيا. { ثم تأمل في تفصيله لأنواع الوزارات إلى وزارة تفويض ووزارة تنفيذ، حيث أبان ان الأولى يجوز للوزراء فيها الاجتهاد بناءً على الأصل ولا يجوز في الثانية الاجتهاد، بل عليهم التنفيذ فقط بلا زيادة ولا نقصان، وتترتب على هذا التفصيل الذكي احكام ومميزات لكل نوع، منها ان وزارة التفويض لا يتولاها إلا المسلم في الدولة الاسلامية بخلاف وزارة التنفيذ. ومن تعريفات الماوردي للحسبة انها أمر بمعروف قد ظهر تركهُ ونهي عن منكر قد ظهر فعله. { ثم فصل المحتسب إلى نوعين المحتسب السلطاني والمحتسب المتطوع. وأبان وفصل تفصيلاً دقيقاً وظيفة كل واحد منهما بحسب تكليفه. { وقارن الماوردي بين ولاية الحسبة وولاية المظالم، وقد برع في اسناد اختصاصات كل واحدة منهما بعبارات لا تقبل الزيادة ولا النقصان، حيث فرق بينهما بقوله. { الحسبة موضوعة لما رفه عنه القضاة. وهو يعني الامور الظاهرة البينة التي ليس فيها تجاحد ولا انكار، اذ ان القاضي مختص بفض النزاعات والفصل في الخصومات. وما دام الامر بالمعروف والنهي عن المنكر انما بنيا على الظهور فمعنى ذلك ان الامر لا يحتاج إلى قاضٍ ولا داعي لان نشغله بالامور الواضحة البينة الصريحة. { ومن هنا جعل الماوردي تفريغ القاضي للخصومات من باب الرفاهية له. { وقال عن ولاية المظالم إنها موضوعة لما عجز عنه القضاة. من هنا بيّن ان الحسبة لا يتولاها إلا السلطان نفسه أي الخليفة «أمير المؤمنين أو رئيس الجمهورية أو من يعينه مباشرة ويشرف عليه وأحياناً تكون مجالس المظالم بحضور الحاكم نفسه. { وقد ظلت الدنيا تحاول تقليد هذه الترتيبات العدلية الاسلامية فاشترعت السويد عام 1809 ما اسموه المفوض البرلماني أو في الحقيقة ما اسموه الامبودسمان بلغتهم، وهو نوع من الرقابة وتلقي الشكاوى، ولكنه وللأسف ظل ديوانيا أي انه لا علاقة له با لحسبة العامة كما جاء في الاسلام ولا بالمظالم. { ان الامبودسمان ظل متعلقاً بالامور الديوانية البحتة ولا علاقة له بالسلوكيات العامة مثلما الحال في الإسلام. { وانتقل المفوض البرلماني أو الامبودسمان إلى بقية الدول الاسكندنافية ثم إلى بقية الدول الغربية دون تغيير في الاسم أو ترجمة خوفاً من ضياع خصائص الفكرة أو مميزاتها، مع أن الامبودسمان يختلف في دوره من دولة إلى أخرى. { والعجيب في الأمر أن الفكرة انتقلت إلى بعض الدول الشرق أوسطية وهي دول إسلامية غالباً وسموها جمعية الأمبودسمان الاوسطية ورئيسها محمد فائق. { وهو مظهر من مظاهر الضعف التي اعترت جسد الأمة الإسلامية التي ترفض الإبداع المحلي وتقبل الابتداع المستورد، مع الفارق الكبير بينهما في الجودة وفي التكلفة. { إن الماوردي هو أول من فصل نظرية وهيكلية النظام العوني في الإسلام إذ أبان أن النظام العدلي في الاسلام يقوم على ثلاث ركائز: الحسبة والقضاء والمظالم، وهي دوائر ثلاث مكملة لبعضها البعض، فالحسبة للمخالفات الظاهرة التي لا تحتاج إلى بينة، والقضاء للفصل في الخصومات والنظر في النزاعات.. والمظالم للتصدي للمتغلبين والمتسلطين من الحكام والأسر وأصحاب السطوة. { والثلاثة تتفق تارة وتختلف أخرى، وفي كل ذلك تمثل نظاماً عدلياً متكاملاً. { وربما تعرضنا في مقال لاحق بالتفصيل في النظام العدلي الاسلامي. } الكافي للكليني: { الكافي هو أصح كتب الشيعة الامامية عندهم، ويعدونه بمثابة البخاري عند أهل السنة، وقد زعم الشيعة أن الكافي عرض على الإمام المهدي في سردابه فاطلع عليه، وقال هذا كان لشيعتنا.. ومازال وحتى كتابة هذه السطور هو المرجع الأول عند الشيعة بلا منازع. وللكليني مكانة عالية مرموقة ومرتبة سامقة عند عامة علماء الشيعة. { قال عنه النجاشي وهو صاحب علم الرجال عند الشيعة «شيخ اصحابنا في وقته بالري» { وقال ابو جعفر الطوسي «ثقة عالم بالأخبار» وقال عنه ابن طاؤوس «الشيخ المتفق على ثقته وامانته محمد بن يعقوب الكليني» { ويقول عنه محمد باقر المجلسي:«مقبول طوائف الانام ممدوح الخاص والعام» { اما عن الكتاب نفسه فيقول الشهيد الأول: «كتاب الكافي في الحدث الذي لم يعمل الإمامية مثله» { ويقول المحقق الكركي :«الكتاب الكبير في الحديث المسمى بالكافي الذي لم يعمل مثله». { ويقول الفيض الكاشاني:«الكافي أشرفها وأوثقها وأتمها وأجمعها» { وأيضاً يقول محمد باقر المجلسي في تقريظ الكتاب وتوثيقه: «كتاب الكافي اضبط الاصول واجمعها واحسن مؤلفات الفرقة الناجية واعظمها» { ومع كل هذا لا تعجب عندما تسمع نقد أئمة الشيعة انفسهم لكتاب الكافي للكليني. {قال المحقق السيد الخوئي:«لم تثبت صحة جميع روايات الكافي، بل لا شك في ان بعضها ضعيفة، بل إن بعضها يطمئن إلى عدم صدورها عن المعصوم عليه السلام»، يعني موضوعة!! { بل إن احدهم وهو السيد المجاهد «1242ه» ذكر ان الذي عليه «محققو اصحابنا عدم حجية ما ذكره الكليني..» وقد طعن في بعض أحاديثه من قدماء الأئمة عند الشيعة المفيد وابن زهرة وابن ادريس والشيخ والصدوق، وفي العصر الحديث زعم داعية رافضي ان الشيعة ابطلوا واسقطوا تسعة آلاف حديث من احاديث الكليني البالغة حوالى «16» الف حديث!! { وهذا من الكذب الشيعي الرافضي الصراح الذي لا تقية فيه. { ونحن عندما نقول ان هذا الامر كذب فمعناه انه كذب، فمازال الكافي هو كما كتبه الكليني ثلاثين باباً، وما اضيف إليه بعده بقرون عشرون باباً، والجملة خمسون باباً لم يحذف منه ولم يبطل حديث ولا كلمة ولا حرف. { إن الرافضة متناقضون في اقوالهم في الكافي وفي مزاعمهم بإبطال أحاديثه، وهم ان ابطلوها فقد جعلوا الملايين من أتباع المذهب الشيعي يتعبدون باحاديث موضوعة طيلة عشرة قرون أو أكثر.. ويكفرون بها الأمة، ويلعنون بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.