نجلاء عبَّاس: اتفاقيات كثيرة أُبرمت حول ترتيب عودة الجنوبيين للخرطوم وقرار رئاسي بفتح المعابر للاجئين الجنوبيين وإعطائهم حق التمتع بالعيش مع مواطني السودان بدلاً من دخولهم في معسكرات اللاجئين، ومن ضمن الاتفاق عودة الجنوبيين عبر المساعدات الإنسانية والمنظمات الدولية التي قامت بتوفير الموارد الحياتية لهم، إلا أن بعض المنظمات باتت تشكو من عجز في توفير جزء من الالتزامات، ويرجع السبب الرئيس لتزايد عدد النازحين إلى مئات الآلاف من مواطني دولة الجنوب إلى السودان، وتشير تقارير قدمت من مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بالسودان إلى تزايد أعداد اللاجئين من دولة جنوب السودان عبر الحدود إلى الولايات السودانية، حيث بلغت أعدادهم حوالى «42» ألف لاجئ، هرباً من الصراع الدائر، وتفيد الأخبار بأن الجنوبيين يعيشون ضنكاً في بلادهم نتيجة الحروبات التي أدت إلى قلة الموارد الغذائية، واجتاح الجوع كل أنحاء البلاد مما جعل القائمين على الأمر والمسؤولين يتجهون للاتفاق مع عدد من المنظمات. وقال وكيل وزارة الشؤون الإنسانية كلمنت تعبان دومنيك إن وزارته اتفقت مع برنامج الغذاء العالمي لتشييد المخازن في منطقة أويريال بولاية البحيرات، مؤكداً اكتمال أربعة مخازن. وكشف تعبان في تصريح صحفي عن حوار مع السودان لفتح قناة لجلب المساعدات الإنسانية من السودان لمناطق أعالي النيل والوحدة. وأضاف أن برنامج الغذاء العالمي يقوم بتخزين مختلف المواد الإنسانية لمساعدة النازحين في أويريال، وقال: «لدينا مشكلة في منطقة فشلا لكن الوزارة توصلت لاتفاق مع منظمة برنامج الغذاء العالمي لنقل المساعدات من كبويتا إلى بوما ومنها إلى فشلا». وأشار إلى أن نقل المساعدات سيبدأ الأسبوع القادم، وستكون كافية لمدة شهرين. وأضاف تعبان أن أعيان منطقة فشلا جاءوا للوزارة لتبليغها عن نقص الغذاء في المنطقة، فطمأناهم إلى أن الوزارة اتفقت مع برنامج الغذاء العالمي لنقل المواد الغذائية إلى فشلا، وأعلن برنامج الغذاء العالمي أن الأزمة في دولة جنوب السودان قد هددت بشكل خطير الأمن الغذائي في البلاد، بما دفع الملايين هناك إلى مزيد من الجوع، وأدى بشدة إلى تعقيد جهود البرنامج لتقديم الإغاثة. وطالبت المتحدثة باسم البرنامج اليزابيث بيريس، في مؤتمر صحفي بجنيف، أطراف النزاع في جنوب السودان بالسماح بوصول وكالات المعونة الإنسانية بشكل أفضل لتقديم مساعداتها إلى المتضررين من الأزمة. وقالت إن المنظمة الدولية كانت قادرة على توفير حصص غذائية طبيعية لمخيمات اللاجئين، ولكن الأزمة في جنوب السودان أدت إلى مضاعفات خطيرة في ما يخص إعادة تزويد مخيمات اللاجئين بإمدادات الحبوب. ولفتت بيريس إلى أنه وعلى الرغم من استمرار برنامج الغذاء العالمي في تقديم حصص غذائية منتظمة إلى اللاجئين السودانيين الذين يعيشون في مخيمات ولايات الوحدة وأعالي النيل، بما في ذلك تلك الموجودة في مقاطعة مابان، إلا أن الأزمة عقدت كثيراً جهود البرنامج لإعادة تزويد هذه المخيمات بما تحتاجه، في الوقت الذي أصبح فيه نقل الأغذية إلى المناطق النائية أمراً صعباً للغاية بسبب الأوضاع الأمنية، وقال المحلل السياسي د. عبد الوهاب عثمان في تصريح ل «الإنتباهة» إن من دلائل تدفق لاجئي الجنوب على السودان هو الترابط القوي الذي ساد منذ القدم بأن الجنوبيين مع السودانيين شعب واحد تم انفصاله قبل ثلاث سنوات فقط، ولكن انتماءهم الداخلي هو الذي قادهم إلى أن يتجهوا نحو السودان وهم في حالة من الطمأنينة إلى أن الحكومة وشعبها سيرحبون بهم، وأشار إلى أنه منذ أن تم الانفصال قدمت دعوة للجنوبيين على أن يقوموا بتوفيق أوضاعهم وحصرهم، إلا أن الدولة لم تمارس الضغوط ضدهم، ولم يسبق أن تم القبض عليهم وحجزهم، بل قامت بتوفير رحلات طوعية إلى بلادهم، وأضاف قائلاً: «لا يمكن أن نترك المواطن الجنوبي وسط تلك المطاحن والحروبات الأهلية والعرقية، فكان لا بد أن نمد لهم يد المساعدة، علماً بأن أي توتر وزعزعة في أمن دول الجوار تسبب الضرر وعدم الاستقرار للدولة الأخرى»، وأضاف قائلاً: «بالرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد فإننا نجد أن رئيس الجمهورية أمر بعدم إبقاء لاجئي الجنوب داخل معسكرات، وإنما منحهم الحق في التمتع والعيش بحرية في أرجاء الوطن مثل المواطن السوداني، وهذا ما جعلهم يقدمون على النزوح، بجانب توفير الوسائل الناقلة لهم وتذليل كل العقبات التي يمكن أن تواجههم»، لافتاً إلى أن ذلك الحق يسبب كثيراً من الضغط على المواطن من ناحية اقتصادية، فيما أنه ليس كل اللاجئين على خلق قويم، فمنهم من يمكن أن يسبب خللاً في الأمن وانتشار الجريمة التي أيضاً تقع على عاتق الدولة والمواطن، الأمر الذي يتطلّب الحكمة لمواجهة مثل هذه المشكلات. ويقول الخبير الاقتصادي د. محمد الناير ل «الإنتباهة» إن تزايد أعداد اللاجئين الجنوبيين في السودان تنتج عنه تكلفة وضغوط كبيرة على حكومة السودان من ناحية اقتصادية وصحية وضرورة توفير إيواء وغذاء وكساء للجنوبيين، وذلك فوق طاقة الحكومة، مما يتطلب دعم ومساعدة المجتمع الدولي الذي بدوره ينتظر هذه السانحة لإرسال المنظمات الدولية بذات الأجندة السياسية وكل ما تحمله من مخاطر على السودان.