منذ عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر واستقلال السودان في «1956» ظل الصراع بين السودان ومصر حول أحقية كل منهما بضم مثلث حلايب وشلاتين، أحد أسباب التوتُّر الدائم في ملف العلاقات الدبلوماسية بينهما، إذ سرعان ما تتجدد لغة التصعيد بين المسؤولين الرسميين وسط عدم توفر الحلول الدبلوماسية الحقيقية لهذا الملف المؤجل. وشهد شهر يناير الماضي تجددًا للسجال بين المسؤولين السودانيين والمصريين مرّة أخرى، إذ أعلن وزير الدولة في رئاسة الجمهورية وتناولت تصريحاته وسائل الإعلام المصرية أن منطقة حلايب الحدودية مع مصر سودانيّة مائة في المائة، ومن الممكن إقامة حوارات تفاهم مع القاهرة حول هذه القضية. الأمر الذي رفضته القاهرة، وجاء رد المتحدث باسم وزارة الخارجية السفير بدر عبد العاطي في تصريح إعلامي أن حلايب وشلاتين أرض مصريّة خالصة والدولة المصريّة تمارس أعمال السيادة المصريّة عليها، مشدداً على أن القاهرة لن تقبل بحلول وسطى مع السودان لأن موقفها واضح ومحدد. وفي إطار تصعيدها للنزاع قامت الحكومة المصرية مؤخراً بوضع حجر أساس لإنشاء مبنى محطة إذاعة وتلفزيون بحلايب، وهذه تعد أول خطوة لتفعيل قرار رئيس مجلس الوزراء المصري، وكان مجلس الوزراء المصري قد شكل في نوفمبر الماضي لجنة مختصة معنية بتنفيذ خطة عاجلة لتنمية منطقة حلايب وشلاتين من خلال استثمارات تصل قيمتها إلى 764 مليون جنيه، لاستكمال شبكات الطرق والمياه ومشروعات إسكان لتوطين أهالي المنطقة، فيما يعكس اهتمام الحكومة بهذه المنطقة واعتبارها من أهم المناطق السياحية والاستثمارية في مصر. وقال المتحدّث باسم مجلس الوزراء هاني صلاح في تصريحات صحفية، إن مصر ترى أن منطقة حلايب وشلاتين تضم العديد من الموارد الطبيعية، وتتميز بأهمية إستراتيجية خاصة من الجانب السياسي والاقتصادي، وأضاف أن الحكومة تدرس توقيع اتفاقيات لبحث استغلال ما تملكه المنطقة من المنجنيز والذهب، إضافة إلى تفعيل شركة شلاتين للثروة المعدنية وذلك بالتنسيق مع كل من وزارة البترول والقوات المسلحة. وفيما اتهم الإعلام المصري الإعلام السوداني بضلوعه في تأجيج الصراع السياسي حول المنطقة. يقول مراقبون للأوضاع إن الإعلام السوداني لا ينتهج لغة التصعيد والرد الإعلامي دائماً ما تأتي تحركاته كردود فعل لتحركات الإعلام المصري في هذا الشأن، ودلَّل الأكاديمي السر محمد أحمد ل «الإنتباهة» أن الشاهد على ذلك تبادل الاتهامات والتصريحات، حيث إن آخرها يعود للتصريحات الرسمية بين مسؤولي البلدين، رد وزارة الخارجية السودانية إنها تعمل على صياغة الرد المناسب لتصريحات المتحدث الرسمي للخارجية المصرية التي قال فيها: إن منطقة حلايب مصرية «100» في المئة. وأكد وكيل وزارة الخارجية السودانية السفير رحمة الله عثمان أن حكومة الخرطوم ستعمل على صياغة الرد المناسب للتصريحات المصرية، وقال ما زلنا ندرس في التصريح نفسه ومصدره وسنصدر الرد المناسب في الوقت المناسب. فيما أكد السفير بدر عبد العاطي المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، إن الأزمة مع السودان حول حلايب وشلاتين أمر مفروغ منه لأن حلايب وشلاتين مصرية «100» في المئة، ولا مجال للجدال حول ذلك، والدولة المصرية تمارس أعمال السيادة عليها، ولن نقبل بحلول وسطى للأزمة مع السودان. ونقلت إحدى الصحف المصرية حديثاً للكاتب الصحفي السوداني زين العابدين عبد الرحمن في حوار أجري معه في مصر، أن الإعلام المصري أراد استغلال الواقعة لمحاصرة جماعة الإخوان إبان حكم الرئيس محمد مرسي، وذهب أبعد من ذلك حينما قال: إن بعض القنوات الفضائية تهكمت على السودانيين. ما خلق ردة فعل عنيفة حول حلايب وشلاتين، وقال إنه يمكن أن تحسم بعيدًا عن أجواء الصخب الإعلامي والمهاترات الكثيرة التي تحويها هذه القنوات والصحف خاصة الإعلام المصري. ولكن وزير الخارجية المصري نبيل فهمي في آخر زيارة له للسودان مؤخرًا يأبى إلا أن يحاول مدللاً على أن الإعلام المصري ظل يتناول هذه القضية مثل تناول الإعلام السوداني، في محاولة منه لإلقاء اللوم على الإعلام السوداني في تعميق مسألة المنطقة المتنازع فيها بين الطرفين. وبدأ المجتمع السوداني جَراء التراكمات والتفاصيل حول القضية يأخذ منحى مضادًا للاتجاهات المصرية، نتيجة للحملة العنيفة التي قادها الإعلام المصري مما خلق نوعاً من الحساسية. ومع تمسك الحكومة المصريّة بمنطقة حلايب وسعيها للاستفادة من الموارد والثروات الطبيعية الكامنة في هذه المنطقة. وقال السفير السوداني السابق في مصر كمال الدين حسن: من الضرورة الاعتراف بوجود مشكلة ما بين مصر والسودان، وإنها ما زالت قائمة بشأن مثلث حلايب وشلاتين. وثمّة نزاع قائم بالفعل، إذ تتمسك كلُّ من القاهرةوالخرطوم بالرؤية الخاصة بها، معرباً أن يُحلّ هذا النزاع قريباً في إطار الأخوّة والتفاهم بين البلدَين، كما أنه قال: أتمنى ألا تثار هذه القضية في الإعلام المصري مرَّة ثانية بعد أن أساءت كثيراً إلى العلاقات المصريّة السودانيّة، لأن السودان يرى أن مصالحنا أكبر من أن نحصرها في منطقة. ومن جهته أوضح السفير المصري السابق في السودان المرحوم عبد الغفار الديب أن القيادات السياسية في الدولتين كانت قد اتفقت على أن تكون منطقة حلايب وشلاتين منطقة للتكامل والتنمية الاقتصادية خاصة بعد أن أعلن الرئيس البشير أن السودان لا ينوي جعل حلايب مثار خلاف ونزاع مع القاهرة. بيد أن كثيراً من المراقبين الذين تحدثوا ل «الإنتباهة» يرون أنه من المهم أن ينأى الإعلام هنا وهناك عن كل ما يوتر أو يسيء لهذه العلاقة بين البلدين، وهذه منطقة حمراء لا يجوز دخولها، وقالوا إن بين الشعبين علاقات أزلية ترقى لما هو فوق الأنظمة، ولن يسمح الشعبين لأيٍ مَنْ كان المساس بها حتى وإن كان بعض إعلام الإثارة الخاص يجب أن يبتعد عن اللغة التعبوية، بيد إنهم قالوا إن من الأفضل للإعلام المصري عدم الاقتراب من المزايدة بمكونات المنطقة وأحقية بلدهم فيها، مؤكدين أن الإعلام السوداني ظل محافظاً على المكانة السامية التي تربط شعبي البلدين، وذلك يحتم عليهم المعاملة بالمثل حتى لا تكون القضية في حالة تصاعد مستمر لا تترك مجالاً للدبلوماسية تتحرك فيه.