لا أدري لماذا حمل صديقنا د. ياسر محجوب الحسين رئيس تحرير الزميلة «الصيحة» على ملتقى أم جرس كل هذه الحملة الشعواء ولم يجد من أم جرس غير أنها أفعى سامة ومفترسة وشديدة السمية وعند مهاجمتها لفريستها تهز الجرس الموجود عند نهاية ذيلها محدثة جلبة وصوتاً عالياً. وفي الحقيقة أن معجزة أم جرس غير الاسم الذي لا أدري دلالته الحقيقية هي في انتقالها في زمن وجيز لم يتجاوز عدة سنوات من قرية صغيرة على الحدود السودانية الشادية إلى مدينة كاملة الدسم بها مطار ومؤسسات وخدمات وذلك بسبب الأمن الذي تحقق على الحدود بين البلدين ووجود القوات المشتركة السودانية التشادية وهذا ما جناه الجانب الشادي الذي ركز على التنمية والاستقرار على الحدود وتوفير المياه والطاقة الشمسية في العديد من الأرياف التشادية التي تعتبر أم جرس واحدة منها. وانعقد أن لقاء أم جرس الأول أو(أم جرس الأولى) وكان من بين سلبياته أنه كان محصورًا في قبيلة واحدة هي قبيلة الزغاوة التي ينتمي لها الريئس التشادي إدريس دبي بل إن الاجتماع الأول لم يكن يمثل حتى قبيلة الزغاوة بصورة كاملة وجاءت أم جرس الثانية بتمثيل كل الإدارة الأهلية في دارفور لذلك ليس عجباً أن يحضر لأم جرس السيد موسى هلال زعيم قبيلة المحاميد والذي شكل وجوده في شمال دارفور تحدياً للحكومة المركزية وعلامة استفهام للجهات ذات الصلة بسلام دارفور واتفاقية الدوحة التي أشاد بها موسى هلال، كما أشاد بالدور الذي تقوم به دولة قطر في إقامة مشروعات التنمية بدارفور. والعنصر المهم في أم جرس الجديدة هو وجود مقدر للقوى السياسية السودانية خاصة حزب الأمة والمؤتمر الشعبي وهذا الوجود يمثل امتدادًا للحوار بين القوى السياسية الذي دعا له رئيس الجمهورية وطرح متطلباته الأساسية وهي سلام دارفور وحل النزاع في منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان. والرئيس الشادي إدريس دبي بدوره قد اقتنع بجدوى الحل السلمي لمشكلة دارفور. والذي يمكن أن يؤخذ على أم جرس هو غياب الحركات التي تحمل السلاح في دارفور عن الحضور، ولكن حضور هذه الحركات إلى أم جرس أو انضمامها لمنبر الدوحة هو مسألة وقت لكون خيار السلام في دارفور قد فرض نفسه على أرض الواقع وما أكدته أم جرس من قرارات بعض منه تطالب به الحركات المسلحة نفسها والبعض الآخر سيتم فرضه على الجميع فقضايا مثل إلغاء كل أشكال الوجود المسلح وأن لا يكون السلاح إلا في أيدي القوات المسلحة والشرطة هذا مما يدعو له حملة السلاح بالإضافة للعمل الإنساني وعودة النازحين والفارين من جحيم الحرب إلى ديارهم وما صرح به موسى هلال بأنه ستكون قريباً أوضاع جيدة في دارفور يدعو للتفاؤل. وتصريح رئيس الجمهورية المشير عمر حسن أحمد البشير بأن ملتقى أم جرس الثاني خطوة لتنفيذ المحور الأول من الوثبة التي أعلنها في يناير وأن الدولة ماضية في تحقيق السلام في النيل الأزرق وجنوب كرفان وحديث الرئيس التشادي إدريس دبي حول ضرورة حل مشكلات دارفور عن طريق الحوار يصب في اتجاه الحل السياسي والقومي لمشكلات دارفور الذي أرساه ملتقى أم جرس الثانية كما يؤكد أن دور القوات المشتركة بين شاد والسودان هو حفظ الأمن على الحدود ومواجهة الفلتان الأمني وليس الدخول في عمل عسكري مع الحركات المسلحة التي كانت تتوجس من هذا المر. وكما قال الرئيس دبي في كلمته أمام الجلسة الختامية لملتقى أم جرس لا بد من تنفيذ التوصيات على أرض الواقع وتكثيف الجهود لتحقيق السلام في دارفور والسعي بين القبائل. وقال دبي إن مخرجات الملتقى نقدمها هدية لأهل السودان بصفة عامة ولأهل دارفور على وجه خاص وأكد أنه سيدعم توصيات الملتقى مادياً وسياسياً واجتماعياً وكما قال دبي فإن مشاركة قيادات القوى السياسية وعلى رأسهم الدكتور حسن الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي واللواء معاش فضل الله برمة ناصر ممثل حزب الأمة والأمير أحمد سعد عمر ممثل الحزب الاتحادي الديمقراطي يمثل دافعاً قوياً لتنفيذ مقررات الملتقى وإنزالها على أرض الواقع. وأم جرس يمكن أن تضيع كما ضاعت فرصاً أخرى للسلام لولا اهتمام الرأي العام السوداني بها وتأكيدها على مبدأ الحوار حلاً للمشكلات وبحثها لقضية دارفور وتمحيصها للمشكلة كما قال الرئيس دبي فقط على الحركات المسلحة الاستجابة لنداء السلام وتحكيم صوت العقل والعقل لايغيب إلا في الحرب.