٭ ما أن صدر الوهج صباح الأمس إلا وتزاحمت الهواتف والرسائل عبر البريد الإلكتروني الخاص بالوهج حول ما كتبناه في وهج الأمس عن الطالبة هند وما تناقلته الصحف عنها منذ صدور النتيجة وإعلانها. ٭ لم نقل غير أن الأمر لا يستحق كل ذلك الزخم الإعلامي.. مجرد أن والد هند يعمل في مهنة يرونها بسيطة، فكيف أن ابنته تتحصل على ذلك النجاح الذي لم يكن وارداً لأبناء الصفوة في المال والاستقرار. ٭ أجزم صادقاً أن غالبية الصحافيين الذين كتبوا عن هند وحول هذا الموضوع وهم «نجوم» خرجوا من أسر أكثر فقراً من أسرة هند... وسر نجاحهم ربما راجع لترابط وتماسك أسرهم نتيجة لأنها أسر بسيطة تأكل حلالاً وتشرب حلالاً... لكن لماذا هند تحديداً... لم أعرف السبب حتى اللحظة. ٭ هند طالبة نجيبة وشاطرة... تأكل حلالاً من مال والدها العامل البسيط الذي يوفر قوت أسرته من حركته الدؤوبة على ظهر حماره أو حصانه في عربة «كارو». ٭ ما أشرفها مهنة وما أطهرها عائداً مادياً لا يأتي سهلاً، بل يصبب العرق على الجبين نتيجة الإخلاص فيه.. وهي مهنة صعبة لا يقوم عليها أي شخص إلا الذين اختصهم الله بها لخيرهم ولنفع الآخرين. ٭ لا علاقة بين نجاح هند هذا ومهنة الوالد.. بل هناك علاقة بين نجاح هند وهذا الوالد في تفانيه وكده لأجلها، فبالإمكان أن يكون موظفاً كبيراً ولكنه غير مدرك لما يجري بمنزله ولبناته.. وهنا الفرق. ٭ الغالبية من الشعب السوداني جاءوا من أسر فقيرة بسيطة من المزارعين.. وحققوا نجاحات كبيرة كما قلنا بالأمس في كل الدروب. ٭ شكراً لهند لأنها تشرَّفت بمهنة والدها التي صرف بها عليها كل هذا الزمن حتى حققت هذا النجاح.. وشكراً لوالدتها فقد أحسنت تربيتها.. ولولا دور الأسرة قبل المهنة لما كان هذا النجاح. ٭ على فكرة الآن أصحاب المهن البسيطة هم الذين يستطيعون أن يصرفوا على أبنائهم بصورة طيبة لأن دخولهم تكون عالية.. وقص عليّ أخي الأستاذ جعفر المصحح اللغوي بالصحيفة قصة طريفة... قال إن هنالك أستاذاً جامعياً جاء لأحد الصبية وسأله بكم يغسل له سيارته؟ فقال له بعشرة جنيهات... هذا الحديث قبل سنوات... فقال الأستاذ لماذا هذا مبلغ كبير... قال الصبي يا أخ نحن نغسل السيارة الكبيرة بخمسة عشرة والمتوسطة بعشرة والصغيرة بخمسة جنيهات... وجلس الأستاذ الجامعي بجانب ست شاي وبدأ يضرِّب دخل هذا الصبي في اليوم من الواقع الذي أمامه فوجده دخلاً كبيراً... قال له: بالله إنت بتدخل كل هذا الدخل في خلال اليوم، وأنا تعلمت كل حياتي هذه ودخلي في الشهر لا يساوي ما تدخله أنت في اليوم؟ فما كان من الصبي إلا أن قال له: «لكن إنت ما دقست يا فردة». ٭ هذا الذي حدث لأستاذنا الجامعي مع صبي غسيل السيارات... إذاً مستوى الدخل مربوط بطبيعة المهنة أو الوظيفة. ٭ قصدنا من هذا «الوهج» اليوم أن نكمل فكرة أن أبناء الأسر العادية غير الثرية يمكن أن يحققوا نجاحات جيدة ويصلوا لأعلى المراتب بالدولة، ويمكن أن يصبحوا أثرياءً... وحتى الأثرياء يبدأون حياتهم بدايةً فقيرةً وبتجارة كاسدة.. وسرعان ما يصبحون أثرياءً. ٭ الحديث هو ذات الموضوع بأبعاده الاجتماعية والنفسية يحتاج لكتابات كثيرة... لكن الذي يهم أن نسبة النجاح هذا العام بحمد الله وفضله نسبة مقدرة. ٭ حتى اللحظة بالمناسبة ما سمعت بأحدهم سقط.. فقط نسمع بالناجحين.. لكن الذين سقطوا ما عارفهم بمشوا وين!! وبهذه المناسبة... تقول الطرفة إن أحد الطلاب بمرحلة الأساس كان ابناً لأب فقير ولكنه مسكين ودرجة استيعابه ضعيفة... وفي يوم إعلان النتيجة لم يحضر في الوقت المحدد لحضوره المنزل وجاء متأخراً ومغبراً بالتراب ومرهقاً إرهاقاً شديداً.. فسأله والده أين كنت؟ قال ليه كنا زافين الطيش... وين زفيتوه؟ قال ليه: زفيناه لغاية بيتو... قال ليه النتيجة طلعت قال ليه آي... وإنت طلعت الكم قال ليه ال «69».. قال ليه والفصل فيه كم؟ قال ليه «70». ٭ وصلتني رسائل كثيرة حول هذا الأمر، وسوف أختار منها رسالة وأنشرها في «وهج» الغد.. كان مدَّ الله في الآجال.