تناول الكاتب د. حسن التيجاني في عموده «وهج الكلم» يوم الأحد الماضي العمود الذي تناولته في هذه المساحة تحت عنوان«ابنة بائع متجول» والذي علقت فيه على تفوق الطالبة هند أحمد محمد التي أحرزت المرتبة الأولى في امتحانات مرحلة الأساس بولاية الخرطوم، وأشدنا بكفاح والدها الذي يعمل بائعاً جائلاً لبيع الخضار، غير أن د. التيجاني انتقد ربط تفوق الطالبة بوظيفة والدها وتساءل قائلاً «ما الجديد في الأمر»؟ ثم وصف العمل بالكارو قائلاً «على فكرة هي دليل عافية على إمكانات الأسرة مادياً ومعنوياً» ويضيف قائلاً «أبناء البسيطين هم الأوفر حظاً على الأقل هم الذين يجدون آباءهم على الدوام معهم لأن الأسرة البسيطة هي التي خرجت الأطباء والصيادلة وأساتذة الجامعات.. وليس غريباً أن تحقق ابنة العامل البسيط النجاح بينما تخفق بنات وأولاد الأثرياء أحياناً أو كثيراً» ثم يستطرد قائلاً «ما كنت أود أن تكون الإشادة بنجاح هذه الطالبة هكذا بقدر ما كنت أتمنى أن يكون نجاحها هي لإمكاناتها واجتهادها وتمتعها بذكاء جعلها تحقق هذه النتيجة المشرفة دون الإشارة لوالدها أو مهنته لأن هذا ليس جديداً ولا غريباً، فكل الذين ينجحون هم من أبناء الكادحين»، ثم يؤكد هذا الحديث قائلاً «كثيرون الذين حققوا نجاحات باهرة وآباؤهم فقراء معدمون الحبة». أولاً من حيث المبدأ تعقيب الزملاء على بعضهم البعض واختلاف آرائهم مسألة إيجابية، أما عن تساؤل د. التيجاني ما الجديد باعتبار أن أبناء الكادحين كثر الذين نجحوا، نقول له نعم هذه حقيقة لكن هناك فرقاً بين النجاح والتفوق على مستوى الولاية والنجاح العادي الذي يقود الطالب إلى كلية الطب أو الهندسة، فهناك الآلاف سنوياً يدخلون عبر هذه التخصصات، أما عن ربط الحديث بمهنة والدها بدلاً أن يكون لإمكاناتها واجتهادها وذكائها، فنحن ربطنا تفوقها بمهنة والدها البسيطة باعتبار أن الكثير من أبناء الأثرياء لا يحققون هذا النجاح وقلنا «رغم جلب أفضل المعلمين في الدروس الخصوصية ورغم وجودهم في المدارس الخاصة، ورغم ما يوفر لهم من غرف خاصة وكتب ومراجع وحاسوب متطور وهاتف ذكي وسيارة فارهة تنقلهم إلى المدرسة وطعام يسيل لهم لعاب الفقراء، إضافة إلى ألعاب الترفية والتسلية التي يوفرها الأثرياء لأولادهم »، إذن هند التي لا تملك كل تلك المعطيات حققت التفوق، غير أن د. التيجاني يعتقد أن مهنة والدها البائع المتجول بخضاره منذ الصباح الباكر لا يعتبر فقيراً ويقول إن دخله أفضل من العاملين في الدولة، حتى وإن كان هذا الأمر صحيحاً بمعيار الدخل الشهري لكن طبيعة المهنة نفسها تختلف، فصاحب الكارو يخرج منذ صلاة الفجر ويتجول كثيراً في الحارات إلى ما بعد منتصف النهار في الشمس الحارقة وقد يبور خضاره حتى إن إطعام حماره قد يكون في بعض الأحيان خصماً من رزق اليوم، ثم أن هذه المهنة البسيطة ترتبط بالكدح وليس الرفاهية، ولهذا فعندما تحقق ابنة عربجي أو صبي أورنيش أو بائع متجول المرتبة الأولى فإن ذلك ليس أمراً عادياً ينبغي أن نمر عليه ولا نتوقف عنده، كما لا ينبغي أيضاً أن نقمط حق والدهم المكافح الذي وفر معينات العمل بعرقه وكده ورغم نيران الجبايات أو الرسوم وارتفاع لهيب الأسعار في كل صباح بحجة أن ذلك انتقاصاً من ذكاء أو اجتهاد أولادهم المتفوقين وليس الناجحين فقط. إننا نحسب أن الإطراء على والد هند المكافح لا يعد انتقاصاً من جهدها وكسبها في التفوق، كما أن الإشادة به يعتبر فخراً ووساماً لها وليس خصماً عليها، أما عن اقتراحنا بأن تقوم الولاية بإيجار متجر للخضار لوالد هند لمدة عام، فقد قال د. التيجاني «مع تقديري للأخ أحمد طه إلا أنني أرجوه أن يترك الرجل يحقق أهدافه بنفسه فالله الغني الرزاق.. دع الرجل يعمل بعرق جبينه ويحقق أمانيه كما حققها في فلذات كبده بنجاح وتفوق بناته». ونحن لم نقل أن يعتمد الرجل على دعم الولاية ويكون عالة وعاطلاً لا يعمل بعرق جبينه وإنما قلنا على الولاية أن تكرمه بهذا التفوق الذي أحرزته ابنته وهو لا ينفصل بالطبع عن كسبه وكفاحه في الحياة، وذلك بإيجار متجر خضار له لمدة عام حتى يقوى عوده المادي وتتغير أحواله المادية فيكفيه ما قدمه في هذه السن المتقدمة من كفاح وشقاء وعرق في لهيب الشمس وذلك ثمن بسيط تدفعه الولاية لهذا الرجل المكافح .