الباعث الحثيث على كتابات هذه المقالات، هو الجهد العظيم الذي قامت به جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية، ممثلة في كلية المجتمع بقيادة عميدها الشيخ العلامة الدكتور جابر إدريس عويشة، بالتعاون مع اللجنة الإدارية العليا لمسجد النيلين، الجهد العظيم تمثَل في إقامة كلية المجتمع الدورة التدريبية الأولى في علم المواريث بمسجد النيلين في الفترة من 72 جمادي الآخر إلى 9 رجب 5341ه الموافق له 72 أبريل 8 أبريل 4102م، تحت رعاية كريمة من فضيلة الشيخ العلامة دكتور إبراهيم نورين مدير جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية، رئيس اللجنة العليا لمسجد النيلين الذي شرف ختام فعاليات الدورة وتوزيع الشهادات، وخاطب الحضور بقاعة مسجد النيلين. كلية المجتمع بالتعاون مع مسجد النيلين كانت قد وجهت الدعوة إلى العلماء والدعاة وأئمة المساجد وطلاب العلم الشرعي، عبر وسائط إعلامية مختلفة منها الصحف السيارة والتلفزيون ونشرات وملصقات، دعت فيها هؤلاء المستسهدفين للالتحاق بهذه الدورة العلمية الشرعية في أعظم العلوم، نصف العلم، علم الفرائض «المواريث» ميراث رسول الله الله صلى الله عليه وسلم ونور هديه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إذ أن الأنبياء والرسل لا يورثون درهماً ولا ديناراً لذرياتهم، وإنما ورثوا أممهم وأتباعهم وأصحابهم وحوارييهم العلم الشرعي، علم الكتاب والسنة، والحكمة والفرقان، فمن أخذ به فقد أخذ بحظٍ وافرٍ. آخذٍ بسبيل المؤمنين من العلماء والدعاة، والمحدثين والفقهاء من سلف هذه الأمة «المباركة» من الصحابة والتابعين ومن سلك طريقهم المبارك، الطريق إلى الله الذي أمرنا أن نفر إليه، ولعل كل الطرق يطلب إلى سالكها أن يهدئ السرعة إلاّ هذا الطريق.. الطريق إلى الله، فإن المؤمن مدعو أن يسير بأفضل سرعة ممكنة «ففروا إلى الله إني لكم منه نذيرٌ مبينٌ» «وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنةٍ عرضها السموات والأرض أُعدت للمتقين». سار الشيخ جابر عويشة عميد الكلية وإخوانه في الكلية جزاهم الله خيراً على سبيل توريث العلم الشرعي، فلم يطلبوا من الدارسين درهماً ولا ديناراً، وقد ذهبت أنا شخصياً ملتحقاً بهذه الدورة لأهميتها بعد قراءتي لخبر الإعلان عنها وكثيرون مثلي لبوا هذه الدعوة، وكانت دورة «مجانية» بلا مقابل، وقد ذكر شيخ عويشة أنهم استهدفوا خمسين دارساً فقط، فإذا بالعدد سبعة وستون دارساً لبوا الدعوة، منهم عشر نسوة فاضلات، وقد وجِد بين الدارسين كبار الدعاة والأشياخ وحملة الشهادات العلمية الجامعية وفوق الجامعية من الجنسين، كلهم لبوا الدعوة والتحقوا بالدورة، الأمر الذي جعل القائمين على تنظيم الدورة يتصدون لهذا التحدي وقبول كل من وصل إلى مقر الدورة طالباً الالتحاق بها، ومنهم من لم يسجل من قبل، قبلوا هذا التحدي جزاهم الله خيراً وكانوا مثالاً للكرم والندى والبشاشة والسماحة وحسن الاستقبال والتواضع، وكيف لا يكونوا كذلك وهم من منسوبي جامعة القرآن الكريم وكلية المجتمع، وأهل القرآن.. هم أهل الله وخاصته، لأن «خيرالناس من تعلم القرآن وعلمه». وتفضل وتبرع بالتدريس والتدريب والمناقشة في هذه الدورة أصحاب الفضيلة من العلماء والأشياخ، دكتور الطاهر ساتي القاضي السابق في المحاكم الشرعية الذي صقلته الأيام والسنين الطويلة أفدنا منهم كدارسين فائدة عظيم، فالرغم من أننا درسنا مادة الميراث في منهج المدارس الثانوية لطلابنا، إلاّ أننا كشفنا طرق ووسائل ووقفنا على مسائل غريبة عجيبة، وقد ساعدنا في ذلك فضيلة الدكتور الطاهر ساتي بأسلوبه السلس السهل الممتنع وخبرته الوافرة، وفوق ذلك كله حسن تواضعه وبشاشته وفاضل تعاونه في المناقشة والمحاورة، وشارك أيضاً بالتدريس خاصة في الجانب التدريبي والتطبيقي وحلّ المسائل الشيخ العلامة البروفيسور العبيد معاذ الذي قال لنا منذ أربعين سنة كنا نناقش هذه المسائل مع علمائنا واليوم يشرفني أن أكون معكم، وقد كان قدوة صالحة قبل أن يغمرنا بندى بحره الوافر، وشارك أيضاً فضيلة الدكتور محمد إبراهيم بشير الذي كتبت يداه كثيراً وكان قمة في الصبر وبذل الطاقة وحسن الأدب والتواضع، وأشرف على الدورة الخبير بدروب الإدارة الدكتور إبراهيم علي المشرف العلمي الذي خالطنا وجالسنا ووآنسنا.. ووالله وبالله حسبته دارساً أو رجل شارع عام من جم تواضعه وحسن إلفته وبذل وقته، وقد تفاجأ الكثيرون مثلي حين علمنا أنه دكتور والمشرف العلمي على الدورة، فعظم مرات ومرات في نفوسنا.. دكتور إبراهيم علي وإخوتك إنا لنحبكم في الله. وساهم في نجاح الدورة بنصيب وافر الأخوان الكريمان فضيلة الشيخ الداعية عبد الصمد الحسن مدير إدارة مسجد النيلين أول رجل قابلناه عند التسجيل وكان شامة في حسن الاستقبال والتعاون، والأخ شيخ عادل مصطفى محمد عبد الله المشرف من قبل كلية المجتمع الذي كان «نحلة» تجود بالشهد ومثالاً في علو الهمة والبذل، لتنسيق الأدوار، وكان هؤلاء الإخوة ومعالي العلماء والمدرسون بقيادة الدكتور الطاهر ساتي مثالاً حياً وأنموذجاً يحتذى في جانب الالتزام بالوقت وحسن استثماره في ما هو نافعٌ فلهم جميعاً الوفاء، لأن الوقت هو الحياة، ثم أنهم اختاروا وقتاً مناسباً للتلقي الثالثة بعد الظهر، وهنا كأني أملأ استبانة تقويم وتقييم الدورة أقول كان الوقت مناسباً وصالحاً، وكانت فكرة الدورة رائعة نافعة، والمدة حسب المادة كافية جداً، أما طريقة التدريس فقد أشرت إلى أسلوب المدرسين خلال الأسطر الماضية، وهنا تكفيني مفردة واحدة أنهم بدرجة «الإمتياز»، وكان التطبيق العملي والقواعد العلمية التي ينبغي إتباعها في تقسيم المواريث شذى عطر عقولنا وقلوبنا، أما الكتاب والمنهج فتكفي الإشارة هنا أنه شرح كتاب «الرّحبِيّةِ» في علم المواريث لكاتبه الشيخ محمد بن محمد بن أحمد بدر الدين سبط المارديني، ومعه كتاب «الدُّرة البهيّة» بتحقيق مباحث «الرحبية» تأليف العلامة والحبر الفهامة «الجُهبذ» محمد محيي الدين عبد الحميد الذي كل من درس اللغة العربية «حقيقة» لا إدعاءً رضع من معينه الذي لا ينضب من خلال شرح «ابن عقيل» على ألفية ابن مالك، وكانت وسائل الدورة واضحة نأمل تطويرها أكثر وفقاً للمناهج الحديثة و «تكنولوجيا» التعليم، أما الاشراف الفني والإداري حقيقة كان متميزاً وجادً، والإفادة من الدورة كانت عظيمة ذات بال، والانطباع العام عن الدورة أقول كانت دورة في العلم والمعرفة ناجحة جداً، وحققت أيضاً الأخوة الصادقة والإلفة بين الدارسين فيما بينهم من جهة، وبين الدارسين وشيوخهم من جهة أخرى، وسوف يستمر هذا التعارف والتآلف تواصلاً واتصالاً يخدم أمهات الأمور داخل المجتمع، وتلك غاية من غايات كلية المجتمع، وإن كانت هناك مقترحات لتطوير الدورة أرى من الضرورة التأكيد على أهمية استمرار هذه الدورة في هذا المجال الحيوي «علم الفرائض» مع تطويرها، وأن تشمل دورات أخرى في قضايا مثل قضية «تحرير المرأة» في ضوء هدي المواريث وأنجع الطرق لرد الشبهات حولها، ودورة في فقه «الأذان وإقامة الصلاة» ودورة في فنون إدارة المساجد والتعريف بدورها، ودورة في «فقه البيوع والمعاملة» للتجار، ودورة في «فقه الزواج والأحوال الشخصية» ودورة في «أصول التلقي والاستدلال» ودورة في «فن المناظرة وأدب الاختلاف» ودورة في «المقاصد الشرعية في تعليم اللغة العربية» وغيرها. فضيلة الدكتور إبراهيم نورين مدير الجامعة شرف ختام الدورة الذي بدأ برنامجه بتلاوة القرآن الكريم تلاه في البداية والختام فضيلة الشيخ محمد صديق محمد، وقدم الدكتور محمد إدريس حامد كلمة نيابة عن الدارسين والدارسات شكر فيها إدارة الجامعة والكلية وهيئة التدريس والمشرفين على الدورة، مثمناً فكرتها ومؤكداً أن إخوته الدارسين قد أفادوا من الدورة إفادةً كبيرة. الشيخ الدكتور عويشة عميد كلية المجتمع مثلما افتتح الدورة بالثناء على علم الفرائض ومرحباً بطلاب الدورة، مؤكداً على أهمية كلية المجتمع، فعل أيضاً في حفل ختامها، مضيفاً أن الجامعة بحمد الله تشرف على ستين مسجداً بولاية الخرطوم، قائلاً: إن الهدف من هذه الدورة تنشيط هؤلاء الدارسين في دورة تفاعلية يكون فيها 05% للجانب النظري، و05% منها للجانب العملي، وقال سنوسع مفهوم هذه الدورة في الميراث وبعض العلوم، لتكون فيها إجازة علمية مستقبلاً، مثمناً جهود الأساتذة من داخل الكلية والمتعاونين، وحيّا الدراسين وهنأهم وقال كانت دورة ناجحة، وقال صممنا استبانة نقرأ من خلالها آراء الدارسين والدارسات، لأجل تطوير الأداء، موصياً الدارسين بتطبيق ما درسوه. فضيلة الدكتور إبراهيم نورين مدير الجامعة، رحب بالأساتذة والعمداء والدارسين والدارسات والضيوف وقال: هذه دورة مباركة ومسجد النيلين وجامعة القرآن الكريم لهما شرف استضافة الدورة الأولى التي إن لم يكن فيها إلاّ هذا الاجتماع في ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد النيلين لكفى، وقال هذا العلم هو أول علم ينسى كما قال رسول الله.. ودعا العلماء إلى إحيائه ومراجعة معلوماتهم فيه، وقال لقد أفاد الإخوة الدارسين من هذه الدورة التي تمثلت أهميتها في كونها اهتمت بالجانب التطبيقي، وحث الدارسين على أن يعلموا الناس علم الفرائض استجابةً لحديث رسول الله «تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإني أمرئ مقبوض»، وحذَّر من إصدار الفتوى في علم الميراث من غير تثبت في عرض المسائل والأحوال، وأهم ما دعا إليه إشاعة ثقافة الميراث في الناس بتعجيل توزيع التركات بعد وفاة المورثين، تفادياً لتشعب الأسر وتطاول الزمان الذي يولد المشكلات، وقال نقترح على ناس زماننا هذا أن تتم عمليات توزيع الميراث بصور وفاقية بين الوارثين، وقال علم الفرائض علم ينسى فهو يحتاج إلى مراجعة دائمة، وقال إنه فرح لأن هذه الدورة جمعت عناصر نوعية، وأرجو أن تكون إعلام لدورات أخريات عبر الإعلام يا أخ شطة وغيره، وستكون هناك دورات لاحقة متقدمة في الميراث وعلوم أخرى، وإدارة مسجد النيلين جاهزة لهذا العمل.. وقدم مدير الجامعة وإدارة كلية المجتمع والمشرفون شهادات للدارسين والدراسات في ختام الحفل الذي ختم بالقرآن الكريم خير الكلام.