لم تصل قنواتنا الفضائية في بثها التلفزيوني إلى ذلك المستوى الجاذب الذي يفرض على المشاهد البقاء على مقعده للمتابعة على اختلاف ما يقدم من مواد.. خبرية سياسية فنية ثقافية اجتماعية.. معظمها إن لم تكن كلها في أسلوب التقديم والعرض والحوار.. والاختيار أقرب إلى الفشل والملل.. والمساخة.. والضعف.. وندرك جيداً مدى وعي وحصافة وذوق المتلقي السوداني الرفيع.. كل هذا لم يصل بعد إلى مديري ومعدي ومقدمي ومخرجي البرامج التلفزيونية عندنا. مديرو هذه الأجهزة لا يفكرون إلا في إرضاء من دفع بهم إلى هذه المناصب.. والعمل على البقاء فيها.. ومعدو البرامج لا يتحسسون أوجاع وأشواق ورغبات وطموحات المتلقي لتقديم المادة التي تتناسب لتكون مقبولة على الأقل للمتلقي، أما مقدمو البرامج فنجد أن أكثر من «90%» منهم من الجنس اللطيف، وقد تم الاختيار بطريقة واضحة جداً تعتمد على الشكل والمنظر والمجاملات والمزاجات قبل المؤهلات والأكاديميات ومخارج الألفاظ والصوت والثقافة والمعلومات العامة، مما جعل معظمهن يتجه مباشرة إلى الاهتمام بالشكل والمكياج و «تغيير ما خلقه الله فيهن» سواء من لون أو تفاصيل أخرى في العيون والرموش والشفاه والخدود، هذا بخلاف الرسومات من حناء وإكسسوارات وثياب وكأن المذيعة في حفل عرس أو «صُبحية» وليست في عمل لتقديم مادة إعلامية «تأكل من ورائها عيشاً أو لنقل بسبوسة»، هذا بخلاف التكلف واختيار الكلمات والمفردات.. والفلهمة بعيداً عن العفوية والبساطة التي هي أكثر جذباً للملتقي لو كانوا يعلمون وحتى المخرجين أيضاً لم يعد لهم رأي في مقدم البرنامج أو المادة ليصبح العمل أيضاً لا يخلو من المجاملات والعلاقات بعيداً عن أوضاع الكاميرا وزواياها وال (Lay out) وتقديم اللقطات لتواكب الحديث.. مونتاج وسيناريو كل هذا وذلك يدفع المتلقي دفعاً.. إما لمغادرة مقعده من أمام التلفزيون أو مداعبة «الريموت» لينتقل إلى قناة أخرى حيث الحيوية والبساطة والجدية في تقديم ما يفيد أو يُنسى المتلقي همومه وأثقاله في هذه الدنيا. تلفزيون السودان القومي لم يعد يجد من يشاهده أو يتابعه في برامجه من داخل استديوهاته الباردة مسيخة المواد بين العمائم واللحى والجلسات الطويلة المملة حتى من خارج السودان، ويحتاج إلى فعل وقول وحركة قوية حتى يتمكن من جذب بعض المشاهدين.. ولا بد له من الخروج بكاميراته ولكن ليس إلى ميادين الحرب والقتال وتخريج المجندين إلا في حالة الاخبار ولا إلى البوادي والصديريات والسراويل والعراريق والطواقي.. والدوبيت والجمال والصحاري إلا عند اللزوم وليس دائماً فالأسواق والأحياء والحواري تضج بالقضايا المهمة والاجتماعية الجاذبة. وقناة النيل الأزرق الفضائية أصبحت أقرب إلى بيوت المناسبات والأعراس من خلال تركيزها على الأغاني ولمة النساء في «ليالي» و «مشاوير» وتغطيات الحفلات الغنائية، وفسح مجالات لمواد لا تستحق كل هذا الوقت الغالي بحساب دقائق التلفزيون الغالية كبرنامج «نجوم الغد» الذي لم يعد يقدم إلا «المقلدين» و «المقلدات» من الشباب والشابات وتضييع الوقت وتقديم الوهم وتزيين الأحلام السراب لهؤلاء الصبية والصبايا حتى المتراصين للتصفيق.. هذا مع ضرورة التركيز على القضايا المهمة والخبرية.. وحتى الأخبار التي صار يقدمها تلفزيون النيل الأزرق والمستقاة معظمها من الصحف صارت تأتي بعد يوم أو يومين تحت اسم «أحداث اليوم»، ولنا عودة حول هذا الأمر و «لمة مذيعات هذه القناة» واهتمامهن بالشكل أكثر من المادة.. والتجويد في الأداء. قناة «الشروق» رغم جديتها ومتابعتها للأحداث، إلا أن مشاهدتها أقل من سابقتها «النيل الأزرق». أما «قناة الخرطوم الفضائية» فبالرغم مما تفعله لها الولاية من توفير إمكانات «على قدر الحال» لكنها تحتاج من أخي «عابد سيد أحمد» لمزيدٍ من الجرأة في طرح قضايا الخرطوم واحتياجاتها الخدمية والثقافية والفنية والاجتماعية والخبرية. استطاع العزيز «حسين خوجلي» أن ينهض بقناة أم درمان ويدفع بها بشدة إلى مصاف القنوات الجاذبة، وبالرغم من أن عامل الجذب لم يقف على ما تقدمه القناة من أعمال ثقافية أو فنية رفيعة لما نعرفه عن حسين من اطلاع ومتابعة وذوق فني وثقافة عالية، ولكن «ساعة مع حسين خوجلي» هي التي جعلت الكثيرين يحرصون على المتابعة لما لحسين من جرأة في الطرح ولما له من تعليقات تعبر عما في أعماق الكثيرين، هذا فضلاً عن تقييمه الصحفي لما ينشر بالصحف رغم الاقتصار على الخطوط العريضة، وإن كان يعرف كيف يجذب إليه المتلقي بسلاسة الحديث وإدخال بعض القفشات والهدايا.. وحتى عندما يخرج عن طوره ويرفع صوته انفعالاً مع إحدى القضايا فإنه يوصلها وهو يقذف بالصحيفة إلى يساره. وأقول لأخي حسين لعلك تدرك أن قضايا صغيرة مثل انقطاع المياه في أمبدة أو الكلاكلة والشكوى من انقطاع التيار الكهربائي في الحاج يوسف.. ورسالة إلى مسؤول ليس مكانها التلفزيون «بالكلمة الساخنة فقط» فالصحف بوصفها وسيلة إعلامية أبقى وأكثر تداولاً وانتشاراً خصوصاً في القضايا المحلية، وأنت أعلم بأن المسؤولين نادراً ما يتابعون التلفزيون مثلما يتابعون الصحف ولو عبر مكاتب العلاقات العامة التابعة لهم.. بالرغم من أن ال «فيدباك» للرسالة الساخنة المفترض أن يكون فورياً.. وللحديث صلة.