وفي ظل هذه الحياة المليئة بالغرائب والعجائب. وكل المفارقات والإحن والمصائب.. كل شيءٍ هنا وارد.. ومن قاع الظروف الصعبة وقساوة المعيشة.. كل شيءٍ وارد.. فمن هنا.. يخرج الحضيض والكذب والوهم.. طالما أن هناك غباءً مستشرياً ومستفحلاً في العقول.. وطالما عقلية السمسار هي المسيطرة في التجارة والمتحكمة في السوق.. وطالما أن الجهل هو عنصر أساسي. يمثل قمة الهبل الاقتصادي.. والقوة الشرائية في سوق الوهم، فأصبحنا نشهد في كل يوم جديد تشرق فيه الشمس.. ظهور ابتكارات ومبتكرات وأفكار واكتشافات مهولة.. تفتقت العبقرية السودانية باكتشافات مفيدة.. للإنسانية وللبشرية وللحياة فإن ظهور شجرة المورينقا.. وما صاحبها من هووشة إعلامية وضجة في كل الأسافير.. وظلت حديث المجتمع والناس فكانت هذه الشجيرة مجهولة الهوية.. هي عبارة عن شجيرة غير كثيفة الأغصان.. وليس لها ظل وارف.. غير أنها هي تحمل الكثير من البذور مثلها مثل شجرة السيسبان ودقن الباشا، وشجرة القلدمور وهؤلاء الأخريات معطرة ووارفة الظلال إلا أن ظهور المورينقا في فترة زمنية معينة وما صاحبها من إرهاصات عن فوائدها الطبية والصحية والعلاجية.. وشطحوا شطحة كبيرة عندما أطلقوا عليها أنها الشجرة المقدسة وأنها الشجرة المباركة وأنها الشجرة التي تخرج من طور سيناء.. والتي ذكرت في القرآن.. استنتجوا وأفتوا.. وعدد الكثير من فوائدها ومزاياها خاصة في الإنجاب وازدياد هرمونات الخصوبة عند الرجل والمرأة والشيء المضحك جداً والذي يفضح الجهل السياسي.. هو اتخاذ مرشحي المؤتمر الوطني في بعض الدوائر الجغرافية في مناطق مختلفة.. اتخاذهم لشعار الشجرة.. وهو رمز المؤتمر الوطني في الانتخابات السابقة.. وأكدوا لناخبيهم أن هذه هي شجرتكم المباركة وهي شجرة الحياة.. وإن ظهور هذه الشجرة في هذا التوقيت هو دلالة على صدق النوايا.. ولذلك اتخذنا هذه الشجرة كرمز وشعار يمنحنا القوة والصحة والبركة ولقد تم توزيع الآلاف من شتول هذه الشجرة للناس في دار المؤتمر الوطني بأسعار رمزية.. والشجرة كانت تباع بثلاثة جنيهات.. وحين وصل سعرها في السوق إلى أكثر من ثلاثين جنيهاً.. وحين كان سعرها الأساسي لا يتعدى واحد جنيه.. فأكيد أن الذي روج لبيع هذه الشجرة أراد الاستفادة المادية.. لأنه جلب كمية من البذور والشتول للسودان وأطلق هذه الفرية والإشاعة في الإنترنت.. واستخدم ذكاءه الفطري.. واستغل حاجة الناس للعلاج وللتداوي.. خاصة الذين يعانون من قصور في الخصوبة والإنجاب.. وأصبح البعض متعلقاً بقشة الغريق فاستغلوا سذاجة البعض وحاجتهم.. وأفرطوا في التناول الإعلامي وأكسبوها أبعاداً دينية وسياسية.. وأوهموا الناس بها والناس ما كذبت خبر.. فطفقوا يلهثون ويبحثون في كل المواقع.. عن أسرار شجرة الحياة التي تعيد للشيوخ وأهل الشيب شبابهم وحيويتهم وقوتهم.. وأصبح عرض جنن العالم. ولعل حكاية شجرة المورينقا تشابه حكاية مكواة الفحم وسوف أعود لاحقاً لتناول هذه الفرية الوهمية الجديدة. ولعل هذه الحكايات تشابه حكاية الرجل اليهودي الذي أوهم أحد التجار.. بشراء مخزونه من جوالات العطرون والتي كانت «مخزنة» منذ زمن ولا تجد من يشتريها.. ففكر التاجر اليهودي في حيلة لا تخلو من المكر والدهاء. بأنه ذهب لأحد التجار وعرض عليه بضاعته.. فرفض التاجر شراءها.. لأن الناس ليس لديهم الحاجة في شراء العطرون.. فلجأ التاجر اليهودي إلى بعض أصحابه وأعطاهم نقود.. وأمرهم بإرسال أبنائهم وأبناء جيرانهم لشراء كل كمية العطرون من التاجر الآخر.. حتى نفذ العطرون من السوق.. وساق اليهودي الحيلة الخبيثة الأخرى.. أنه أمر أحد أصحابه من بلد آخر وألبسه عباءة وجلباب شيخ بندر التجار.. وأصبح يتجول في سوق المدينة ويسأل عن تجار العطرون.. فدلوه على تاجر في السوق وعند ما وصله وعرف غرضه.. أنه محتاج لكمية من العطرون وسوف يأتي لشراء كل الكمية يوم غدٍ.. فرجع التاجر إلى صديقه اليهودي وسأله عن جوالات العطرون التي بحوزته.. فضحك اليهودي.. بأن سعر العطرون قد ارتفع.. لأن الطلب عليه قد زاد.. فتوسل التاجر لليهودي أن يمنحه أضعاف المبلغ الذي يريده نظير البيعة فتمت الصفقة وقام التاجر بشراء كل كمية العطرون في السوق.. وانطلت عليه الحيلة.. ولم يسأل بعد ذلك أحد عن العطرون ولم يبع جوالاً واحداً وتلك الحكاية تشابه حكاية شجرة المورينقا وحكاية مكواة الفحم.. وهي الأخرى هي كمان حكاية من ذهب نحكيها إليكم بالتفاصيل «المملة». فالمكوة «بالدارجي» وهي التي عرفت بمكوة الفحم.. وهي المصنوعة من الحديد المخلوط «بالظهرة أو الرملة» ولها مقبض وقفل على شكل ديك. واشتهرت المكوة منذ القدم بكي الملابس ولم تكن لمكواة الكهرباء وجود.. وعندما ظهرت الكهرباء وظهرت بعدها «مكاوي» الكهرباء.. فهجر الناس مكواة الفحم وأقبلوا على المكواة الحديثة.. ومنها خرجت العديد من المكاوي مثل مكاوي البخار والغاز.. وتحمل أحدث المواصفات التقنية.. وهجر الناس مكوة الفحم خاصة بعد ارتفاع سعر جوال الفحم وفضل البعض مكوة الكهرباء أو الغاز.. لسهولة استعمالها وتميزها.. وهي غير قابلة لحريق الملابس أو اتساخها.. فأصبحت مكواة الفحم كماً مهملاً.. استغنى عنها الناس.. ولم يتم الاهتمام بها إلا في نطاق ضيق جداً.. ففكر البعض في تسويقها.. وإعادة الحياة لها وعودة سيرتها الأولى.. لكن بطريقة أخرى عبر الفهلوة.. وإعطائها صفة أخرى غير كي الملابس فبكل بساطة منحها أحد أصحاب الخيال الواسع وظيفة لم تكن تخطر بالبال أو الخاطر.. اكتشف هذا العبقري أن مكوة الفحم أم ديك.. هي أفضل جهاز تقني.. لكشف الذهب تحت الأرض.. وبقدرة قادر قالوا إن المكوة استطاعت أن تكشف كمية من الكيلو جرامات من الذهب عجزت أحدث الأجهزة الأمريكية واليابانية المربوطة بالأقمار الصناعية في الكشف عن كميات الذهب المدفونة في جوف الأرض وانطلقت الفرية في سوق أبو جهل.. وحتى الأسافير والمنتديات وأماكن الونسة والقهاوي وستات الشاي وفي بيوت العزاء والفرح.. وجلسة المشاط.. وفي المواصلات.. الناس ما عندها سيرة غير مكوة الفحم التي تستطيع أن تسكت صوت الموبايل وهذه المكوة التقنية تستطيع أن تشوش على كل أجهزة الرادار وتتحكم في كل الشبكات الفضائية وهذه المكوة الجهنمية كأنها مخلوق فضائي قادم من كوكب المريخ.. تستطيع أن تفعل العجب والعجائب وهي المتحكمة في البث الرقمي.. والستلايت، وبكرا ربما يقولون إنها سوف تكشف آبار النفط.. وأصبحت المكوة التي يحتويها الصدأ.. والغبار.. هي المسيطرة في الأسواق والبورصة.. والآن ارتفع سعر المكوة التي لم يعرها أحد اهتماماً.. والتي كانت تباع في الخردة.. أصبح سعر المكوة الواحدة أكثر من خمسمائة جنيه.. والتي لا تساوي العشرين جنيهاً، ويقال إن سعرها ارتفع إلى أكثر من «30» مليون بالقديم وما زالت ساقية الجهالة والسذاجة مدورة نصبح كل يوم ونحن موعودون باكتشاف جديد.. وربما نسمع غداً عن فوائد «جبنة الحديد» و«النحاس» في تخصيب اليورانيوم وعن فوائد الإبريق الحديدي القديم.. في الإشعاع النووي.. وإن السحارة.. وصيجان العواسة.. لهما فوائد قصوى في إسقاط الصواريخ البالستية.. واختراق أجهزة البنتاجون واهو نحن ماشين على سكة عدم.. بعنا الوهم.. وعدم الفهم بمكوة فحم.