لديّ شك كبير في أن الضجة المثارة حول قيام «إسرائيل» بتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران ليست سوى فرقعة إعلامية وسياسية، أريد بها ابتزاز إيران وتوجيه مزيد من الضغوط الاقتصادية والسياسية ضدها. وحين أتحدث عن شك كبير، فذلك يعني أن الباب يظل مفتوحًا للمفاجآت لأننا نتحدث عن أمر غاية في التعقيد، وعن معطيات قد نرى بعضها في حين لا يُتاح لنا أن نرى البعض الآخر، خصوصًا إذا كنا بصدد لعبة تشارك فيها الدول الكبرى. ليست جديدة الأخبار التي تحدثت عن التحضير في «إسرائيل» لتوجيه ضربة عسكرية لإيران، فقد ظهرت تلك التسريبات منذ نحو شهر تقريبًا، حين تمت عملية مبادلة الأسرى الفلسطينيين بالجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، حيث قيل وقتذاك إن نتنياهو وافق على الصفقة لأنه أراد «تنظيف الطاولة». والتفرغ لمواجهة إيران، بعدما ترددت أنباء عن أنها قطعت أشواطًا باتجاه استخدام الطاقة النووية للأغراض العسكرية. وهو ما تتحسب له «إسرائيل» كثيرًا، وتعتبر أن هذه المرحلة تمثل خطًا أحمر لا تريد لإيران أن تبلغه أو تتخطاه، لأن ذلك ينهي احتكارها للاستقواء الذي تفرضه على منطقة الشرق الأوسط. ومن الواضح أن مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أعد تقريرًا أيّد فيه الادعاءات الإسرائيلية بصورة أو أخرى. وسواء كان الأمر مرتبًا أم لا، فالشاهد أن «إسرائيل» استخدمت معلومات ذلك التقرير لتشدِّد من حملتها وتعبئ الرأي العام الغربي باتجاه ضرورة إيقاف إيران «عند حدها»! بالتزامن مع ذلك استمر التسخين ضد إيران الذي استهدف إقناع الجميع وفي المقدمة منهم الدول العربية بأنها وليست «إسرائيل» الخطر الحقيقي في المنطقة. وكانت فرقعة التآمر لاغتيال السفير السعودي في واشنطن، التي اتهم فيها أحد الإيرانيين جزءًا من عملية التسخين، التي استخدم فيها التعاطف الإيراني مع شيعة البحرين. وفي السياق جرى التخويف من الدور الإيراني في العراق ولبنان، والتدليل على سوء نوايا الإيرانيين بتأييد طهران للنظام القمعي الحاكم في سوريا. وفي حين أبرزت هذه العناوين التي جذبت الانتباه، بأن أحدًا لم ينتبه إلى مسلسل الجرائم الإسرائيلية في الأرض المحتلة، التي تراوحت بين مواصلة قتل الناشطين الفلسطينيين والاستمرار في توسيع المستوطنات ببناء آلاف المساكن الجديدة مرورًا بالطرد التدريجي للعرب من القدس لإتمام عملية تهويدها. الشك في قيام «إسرائيل» بعمل عسكري ضد إيران يستند إلى العوامل التالية: إن «اللوبي» الإسرائيلي في الولاياتالمتحدة ملتزم الصمت إزاء تلك الحملة، وكأنه لا يأخذ التصريحات أو التسريبات على محمل الجد. وهو الذي اعتاد في مثل هذه الحالات أن يقود عملية التعبئة والتحريض لصالح المخططات الإسرائيلية. إن «إسرائيل» لا تستطيع أن تقوم بعمل عسكري من ذلك القبيل إلا بالتفاهم مع الولاياتالمتحدة إن لم يكن بالتعاون معها، وأما أن تنفرد بالقرار فإنها لا تستطيع أن تُقدم عليها قبل أن يتم الانسحاب الأمريكي من العراق وفي وجود قوات أمريكية في أفغانستان، لأن الجنود الأمريكيين الموجودين في البلدين يعتبرون «رهائن» في أيدي الإيرانيين كما يقول البعض في طهران، ويمكن أن يكونوا هدفًا لعمل عسكري يهدد حياتهم. إن «إسرائيل» لا تستطيع أن تُقدم على هذه المغامرة قبل أن تطمئن إلى سقوط نظام الرئيس الأسد في سوريا، لأن استمرار ذلك النظام من شأنه أن يعرّض «إسرائيل» للخطر في حالة ضرب إيران، وحيث إن سقوطه يطمئن ظهر «إسرائيل» ويضعف الموقف الإيراني المتحالف مع نظام دمشق، كما يغل يد حزب الله الذي لن يسكت إذا ما تعرضت إيران للعدوان. إن «إسرائيل» قد تستطيع أن تقوم بعمل عسكري خاطف يدمِّر المنشآت النووية الإيرانية، لكن احتمالات الرد الإيراني لابد أن تكون واردة. وأيًا كان ذلك الرد فإنه يمكن أن يكون موجعًا ل«إسرائيل« ويفوق طاقتها على الاحتمال. إن القواعد الأمريكية في منطقة الخليج يمكن أن تكون بين أهداف الرد الإيراني. وهذا الاحتمال إذا تحقق فإنه يمكن أن يشعل حريقًا كبيرًا في المنطقة، يعرض الخليج لزلزال عالي الدرجة. إن الرئيس الأمريكي الذي يتهيأ الآن لخوض انتخابات ولايته الثانية لن يكون مستعدًا لأن يدخل في مغامرة جديدة، في حين أنه لم يتخلص بعد من تداعيات تدخل واشنطن في العراق وأفغانستان. ما يثير الانتباه والدهشة في هذا السياق أن العالم العربي يبدو تائهًا في العملية. وبعضه يبدو في خطابه الإعلامي على الأقل متضامنًا مع حملة التخويف من الخطر الإيراني. والبعض الآخر إما يقف متفرجًا على ما يجري، أو يبدو منكفئًا على ذاته ومستغرقًا في همومه الداخلية ظنًا منه أنه بمنأى عن التأثُّر بتداعيات الحملة العسكرية، وذلك وهم كبير ليس فقط لأن الحريق إذا شبّ فلن تكون بقية دول المنطقة بمعزل عن شراراته وأصدائه. ولكن أيضًا لأن احتكار «إسرائيل» للقوة العسكرية في المنطقة يمثل تهديدًا مستمرًا للأمن القومي العربي.