يلاحظ أن الرجال الذين تزيِّن أعناقهم عقود الإنجاز، وعرفوا بين النَّاس بأنهم من الذين يملأون مواقع المسؤولية بالتشريف، والقدرة على تجاوز العقبات، وتحقيق المعجزات، ليس بالضرورة أن تتدفق الأموال تحت أقدامهم، أو توهب لهم الوسائل بمجرد الطلب، ولكن هؤلاء أودع الله في قلوبهم وعقولهم أسرارًا، وهيأهم لمهامٍ تتقاصر دونها الهمم، وتتقزم الإمكانات، ذلك لأن المال، قد يبذل لرجلٍ عاطل، وشخصية ضعيفة، وذهنية فقيرة، فيتبدد كما تتبدد فقاعات الهواء، وهنا يصدق القول بأن الرجال هي التي تأتي بالمال، وليس المالُ هو الذي يصنع الرجال. وفي مجتمعنا السوداني، بل حتى في الأسرة السودانية نلاحظ بأن هناك أناساً، وجدوا أنفسهم بأنهم أصحاب ثروة، إما أنها أتتهم عن طريق الحظوة بمنصب، أو سمسرة أو إرث، ولكن ما أن مضى زمن قليل، إلا وإن أهلكوا ذلك الحرث بفعل عطالة الفكر، وإنخفاض الهمة، وضعف العزيمة. وبالمثل هناك أمثلة أخرى، لأبناء أسرٍ لم يولدوا في قصرٍ، أو أن حياتهم قد بنيت على رفاهية، لكنهم كابدوا الحياة بظروفها القاسية، ومصائبها المتتالية، ولم يتسرب اليأس إلى قلوبهم، فخاضوا غمار الحياة دون قاعدة مالية يتكئون عليها، وكان مبدؤهم يتأسس على رباطة الجأش في مواجهة النائبات، وقهر الصعاب لتحقيق الإنجازات، وهؤلاء في الغالب يعتمدون على العقول المفكرة، والنوايا الوثابة، فتشمخ إنجازاتهم وهم بذلك يساوون أمة، وسبحان الله الذي ييسر كلاً لما خلق له. ومادمنا نتحدث في هذه المساحة عن المشروعات التي تحيلها الهمم إلى واقع، فإننا نشير إلى الرجال المعاصرين الذين ظلوا هكذا في ذاكرة هذه الأمة بإنجازاتهم الفكرية، وإمتدادات مشروعاتهم التي لم تستطع قوة إيقاف مسيرتها الصاعدة نحو السماء. وفي ذهني ذلك المشروع الضخم الذي وضع أسسه الإمام الشهيد حسن البنا، فأنتج رجالاً، وأرسى فكراً، وظلت هكذا الأجيال المتلاحقة، تترسم طريقه في مختلف أرجاء العالم الإسلامي، دون أن يسجل التاريخ لذلك الرجل بأنه كان صاحب ثروة وأموالٍ، هي التي دعت النَّاس لتبني ما كان يدعو له من أفكارٍ ومشروعات. والرجل الذي نتحدث عنه لم يكن تاجراً، ولا رأسمالياً، ولا صاحب مصانع، ومزارع وعقارات، بل كان فنياً إمتهن مهنة إصلاح الساعات. والذين يتصفون بعلو الهمة، وإمكانية قهر التحديات، يظهر أداؤهم مشرقاً كشروق الشمس، ومضيئاً كما يضيء القمر، ولا يحتاج الذي يود التعرُّف عليهم أن يستعين بدليل للإرشاد. أما عديمو الهمة، فالأموال تفسدهم، والإمكانات المادية تفضح فقر عقولهم، وأصولهم، لجميع من تعتقد أنهم من السذج والبسطاء.