تحت عنوان: «فلسطين ضحية لعنصرية أوروبا» ذكر المفكر والوزير اللبناني السابق جورج قرم في خلاصة مقالته التي أشرنا لها أمس وأمس الأول إن الادعاء الذي يعفي الحكومات الغربية من اية مسؤولية في الاغتصاب الاستيطاني لفلسطين وإقامة الكيان الصهيوني زاعماً أن إرادتها أصبحت مشلولة بفعل القوة الخارقة لجماعات ضغط يهودية، إنما هو التباس يجب أن يحارب، وذلك لأن جماعات الضغط هذه لا يمكن أن تظهر بمثل هذه القوة في الواقع إلاّ لأنها تعبر عن حدة الانفعالات العاطفية الأوروبية والأمريكية المتجذرة بعمق في التاريخ بعنفها لهاتين القارتين. ويضيف جورج قرم في مقالته التي نشرتها مجلة «العربي» الشهرية الكويتية في عددها الصادر بتاريخ سبتمبر 2011م إن ادعاء الفعالية المزعومة لقوة جماعات الضغط اليهودية ليس سوى التعبير عن قوة إنكار الحقائق التاريخية البشعة التي تمارسها ثقافة الدول الأوروبية وثقافة الولاياتالمتحدةالأمريكية، مشيراً إلى أن عدم الأخذ بعين الاعتبار هذه الحقائق يعني أن نحكم على أنفسنا بإنتاج صيغة جديدة «للمؤامرة اليهودية» تشبه كتاب الهجاء المشهور المعادي للسامية الذي صدر في نهاية القرن التاسع عشر، والمعروف باسم بروتوكولات «حكماء صهيون». ويعني خاصة أن نعطي حكومات الدول الأوروبية وحكومة الولاياتالمتحدة ذريعة تبرر بسهولة رفضهم معاقبة جميع أعمال العنف اليومية التي يرتكبها المستوطنون الأوروبيون الذين هاجروا إلى فلسطين ضد أبناء هذا البلد الأبرياء العرب الهوية منذ «13» قرناً. وتشير المقالة في خلاصتها إلى أن تفكيك تلك الانفعالات العاطفية الأوروبية والأمريكية التي تبلورت حول مصير فلسطين المشؤوم يتطلب الأخذ في الاعتبار أن المظاهر المظلمة للثقافة الأوروبية والأمريكية قد أصبح يجسدها نمط الوجود الإسرائيلي الاستيطاني الاستعماري والرافض في آن معاً لكل المكتسبات الإنسانوية لفلسفة الأنوار التي يحط اليوم من شأنها انتشار فلسفة المحافظين الجدد وفلسفة ما بعد الحداثة، وذلك رغم أن فلسفة الأنوار كانت هي التي حررت الأوروبيين المنتمين للدين اليهودي والمغموسين في الحياة الاجتماعية الأوروبية، بإعطائهم المواطنة الكاملة في أغلبية الدول الأوروبية التي كانت قد حرمت منها في عهد الأنظمة الملكية القديمة المبنية على المرجعية المسيحية في شرعيتها وذلك حتى مجيء الثورة الفرنسية. وتضيف خلاصة المقالة أنه في إطار تعريف هوية «الغرب» الأسطورية الطابع، والتي انتشرت عبر القوميات المختلفة والمدعية أنها تحمل القيم اليهودية، تدرك أن المغامرة الصهيو نية الاستيطانية ليست سوى هبّة انفعال استعماري متجدد، تمخضت عن رغبة القوة والسيطرة المتجددة باستمرار لدى الدول الأوروبية والولاياتالمتحدةالأمريكية. وتشير المقالة إلى أن هذه الرغبة قوية جداً وراسخة في الحفاظ على فلسطين كأرض مستعمرة، ولمركز أمامي شرق أوسطي للهيمنة الأوروبية والأمريكية على العالم المتوسطي والآسيوي، بحيث نرى إلى أي مدى يتم خنق أصوات المواطنين الأوروبيين والأمريكيين، وحتى الإسرائيليين المنتمين للديانة اليهودية والمعارضين لمشروع إرساء دولة دينية يهودية في فلسطين كدولة تزعم الكلام والتصرف نيابة عن كل المنتسبين إلى اليهودية. وكذلك نرى إلى أي مدى، وبكل الوسائل، تُحارب أصوات المواطنين الأوروبيين والأمريكيين الرافضين لفكرة إقامة دولة صهيونية مغتصبة لحقوق الآخرين. وتضيف خلاصة المقالة أن في هذا الإطار وزيادة في هذه السخرية المؤلمة فإن الفلسطينيين، ضحايا التاريخ الديني والعنصري الضيف لأوروبا التي أنجبت الكيان الصهيوني، يرون أنفسهم مجبرين من قبل ما يسمى ب «المجتمع الدولي» على الخضوع لما يمليه عليهم سلابهم، وعلى حماية اليهود المهاجرين في فلسطين، وذلك تحت طائلة اتهامهم هم أيضاً بالمعاداة العنيفة للسامية وبالإرهاب إذا قاوموا احتلال أراضيهم من قبل الصهاينة. وتشير المقالة إلى أن صانعي القرارات السياسية الأوروبيين والأمريكيين يتحدون اليوم في منطق التحجّر نفسه لمذهب الدعم الأعمي ذي الطبيعة الباطوفية كما نظر لها العالم الروسي المشهور باخلوف «1849-1939» الذي درس هذه الظاهرة عبر تجارب على الكلاب الدولة إسرائيل ولذلك لا يزال التكفير عن الإبادة الجماعية للطوائف اليهودية الأوروبية يتحقق من خلال الدعم المطلق الصهيوني وممارساته العنيفة ضد السكان الفلسطينيين وضد كل شعب يساندهم.