مشروع أبو حبل الزراعي يعتبر من أكبر المشاريع الزراعية في ولاية شمال كردفان، لزراعة محصول القطن .. أنشأه المستعمر البريطاني العام 1946م .. وبعد خروج المستعمر آلت ادارة المشروع لوزارة الزراعة المركزية .. وهو يقع في السهل المنحدر شرقاً من مدينة السميح الى مدينة تندلتي.. ومساحة السهل الصالحة للزراعة ستون ألف فدان، والمزروع منها فقط ثلاثة عشر ألف فدان .. رئاسة المشروع في مدينة السميح في شمال كردفان، وهي مدينة صغيرة لا يتعدى عدد سكانها عشرة آلاف نسمة معظمهم مزارعون.. محصول القطن يعتبر المحصول الرئيس للمشروع، وهناك محاصيل ثانوية أخرى مثل الذرة وعباد الشمس.. في موسم الخريف يروي المشروع من خور أبوحبل المنحدر بقوة من جبال النوبة والمنتهي شرقاً في النيل الأبيض، يروي بنظام الري الفيضي الموسمي الحوضي.. تنساب اليه المياه من الخور عبر ترع رئيسة وفرعية تحت اشراف ورعاية موظفين وعمال مهرة متخصصين، حتى تغمر المياه كل أحواض المشروع.. وبعد انتهاء مرحلة الري تبدأ مرحلة زراعة القطن بسواعد مزارعي السميح والقرى المجاورة كل في حواشته التي خصصت له.. دأبت وزارة الزراعة المركزية على تعيين موظفين زراعيين كبار، مدير عام وخبراء زراعيين لادارة المشروع ، بجانب كوادر أخرى محلية مدربة.. في فصل الصيف يشرف صغار الموظفين والعمال على نظافة وحراثة أرض المشروع ، تكحيل وصيانة الترع ، وصيانة أبواب تصريف المياه داخل الترع ، وصيانة المواسير الفرعية.. وفي فصل الخريف اعتباراً من 15-7 يعسكر صغار الموظفين والعمال داخل المشروع بغرض الاشراف على عملية الري ، والتحكم في تدفق المياه المنسابة بكميات محددة وفي أوقات معينة ومدروسة ومعروفة للخبراء الزراعيين ، والقيام باصلاح الكسور في الخور والترع الرئيسة والفرعية اذا حدثت.. انتاجية المشروع كانت تتراوح بين «35 الى 40» ألف قنطار قطن في الموسم ، يتم حلجها محلياً في محالج السميح ، وتعبأ في بالات ترحل بالقطار الى ميناء بورتسودان ، ومنها تصدر الى لانكشير في انجلترا ليعود عائدها عملة حرة الى بنك السودان .. كل مراحل الزراعة في مشروع ابو حبل ، النظافة، والري ، والزراعة ، والحصاد ، وحلج القطن وتعبئته ، كانت تتم بنظام محكم وتوقيتات محددة وبتقنية زراعية عالية .. بجانب هذا العائد المادي بالعملة الحرة لخزينة الدولة والعملة المحلية لصالح المزارعين ، دأبت ادارة المشروع على تقديم خدمات اجتماعية لمواطني المنطقة ، على سبيل المثال توفير المياه الصالحة للشرب ، دعم مستشفى المدينة بالأدوية ، اتاحة فرص العمل في محالج القطن لمواطني السميح والقرى المجاورة ، اتاحة فرص العمل للطلاب في الاجازات الصيفية ما ساعدهم في تغطية تكاليف دراستهم واستمرارهم في الدراسة والتحصيل العلمي.. وللأمانة والتاريخ أقول ، لولا تلك المعينات التي قدمها مشروع أبو حبل لطلاب السميح ، لما كان هذا الكم المقدر من المثقفين من أبناء وبنات السميح ، عاملين الآن في أجهزة الدولة ، قيادات عليا في القوات النظامية ، أطباء ومهندسين ، ورجال قانون ، معلمين ومعلمات في كل المراحل التعليمة ، زراعيين واعلاميين وادباء .. من هذه النخب من استشهد دفاعاً عن الوطن ، الملازم أول أحمد عمران محمد كمتور ، والمجاهد محمد أبو الحسن محمد الضو ، وآخرون ضباط صف وجنود ، رحمهم الله وتقبلهم شهداء الوطن والعقيدة.. ذاك هو مشروع أبو حبل العملاق ، وتلك هي فضائله عبر ذاك الزمن الجميل.. اذن أين نحن الآن؟.. الكارثة ألمت بنا وبهذا العملاق، بعد قرار الخصخصة اللعين، حيث رفعت وزارة الزراعة المركزية يدها عن مؤسسة جبال النوبة الزراعية ومشروع أبوحبل الزراعي ، وتركت ادارة المشروع لوزارة الزراعة الولائية في شمال كردفان، وهي لا تملك المال اللازم والكوادر الفنية والخبرة لتسيير وادارة مشروع كبير وحيوي ومنظم مثل مشروع أبوحبل الزراعي.. ثلاثة وعشرون عاماً من الإهمال المتعمد والفشل المتتالي موسماً بعد موسم، بسبب ضعف التمويل وانعدام الخبرة والكفاءة، وتخبط السياسات الزراعية.. خلال تلك الفترة ظل مشروع ابو حبل يتيماً، لا أب يحميه ولا أم تبكيه، فانهار كل شيء جميل في المشروع حتى البنية الاساسية .. الطمي المتراكم في الترع والأحواض أعاق انسياب المياه .. الكسور في مجرى الخور والترع الرئيسة والفرعية لم تجد من يصنها.. آليات المشروع جرى تأجيرها لأصحاب المشاريع الخاصة في بدعة دخيلة على الانضباط الوظيفي الحكومي، تسمى بالاستثمار.. مخازن القطن الكبيرة تم تشليعها، والمحالج أغلقت أبوابها.. الموظفون والعمال المهرة تم تشريدهم .. باختصار صار مشروع أبو حبل الزراعي ، حقلاً صغيراً يعيش عليه بضع موظفين بالمرتبات، بدلاً من مشروع قومي ضخم يغذي خزينة الدولة بالعملة الحرة ويوفر العيش الكريم لقطاع كبير من المواطنين.. في محاولاته الجادة لاصلاح ما دمر في مشروع أبو حبل، تحرك مولانا أحمد محمد هارون والي ولاية شمال كردفان بكامل حكومته ليعقد جلسة استثنائية لمجلس وزرائه في مدينة السميح، متناولاً مشاكل المشروع على الطبيعة، وقد أوفى مولانا بتنفيذ كل ما قدم له من احتياجات عاجلة لانجاح الموسم الزراعي الحالي، الا أن التقديرات والأسبقيات التي قدمت له لم تكن صحيحة، ولم يتم التنفيذ بالحجم وفي التوقيت المطلوب، وكل الدلائل تنذر بفشل الموسم الزراعي الحالي، لأن المياه المنسابة من الخور لم تجد طريقها الى الترعة الرئيسة حتى اليوم 10/8، لأن الأبواب لم تفتح بينما مياه الخور تندفع بقوة نحو الشرق دون الاستفادة منها، الأمر الذي أغضب المزارعين وجعلهم يرسلون وفداً لمقابلة الوالي والمطالبة بتغيير الجهاز التنفيذي للمشروع .. ولكي نعيد لمشروع أبو حبل الزراعي سيرته الأولى لا بد من تقديم بعض المقترحات :- أولاً: ضرورة تفعيل قرار رئيس الجمهورية الذي أعلنه في أكثر من مناسبة، والخاص بقومية مشروع أبو حبل وتبعيته لوزارة الزراعة المركزية، مع الاحتفاظ للولاية بحقها المتفق عليه.. ثانياً: تفعيل قانون المشروع الحالي والذي لم يجمد ولم يعدل ولم يلغى.. ثالثاً: يتم تعيين مجلس ادارة مشروع أبو حبل الزراعي من كوادر ذات اختصاص مرتبطة بالمشروع، ولا تشغل مناصب تنفيذية .. رابعاً: لتغيير نظام الري في المشروع من ري موسمي الى ري دائم، نقترح اقامة السد الذي اقترحته العديد من الدراسات.. خامساً: تنظيم منظمات المزارعين الموجودة حالياً في اتحاد واحد قوي كلمته مسموعة.. أملنا كبير في الأخ الوالي مولانا أحمد محمد هارون، والذي يعمل ليلاً ونهاراً لإعادة البسمة لمواطني ولايته، أملنا في أن يتبنى هذه التوصيات واعادة المشروع الى سيرته الأولى.. نسأل الله الهداية والتوفيق