موسم الخريف هذا العام جعل منا جميعاً فى حالة استنفار وترقب للمستقبل.. فهناك ارتفاع كثيف فى معدلات الامطار صاحبه ارتفاع فى مناسيب المياه الى الحد الذى اعلنت فيه وزارة الرى ان احتمالية السيول والامطار واردة، بل وان مدناً بعينها ربما تغرق تماماً.. وعشرات الضحايا نترحم عليهم وآلاف المنازل دمرت تماماً.. ومجلس الوزراء استنفر جلساته بقيادة من رئاسة الدولة حول موقف الامطار مما دق ناقوس الخطر جلياً، ولكن ما بحثنا عنه خلال حوارنا مع رئيس قسم التوقعات الجوية للهيئة العامة للإرصاد الأستاذ محمد شريف هو الإجابة حول ما إذا كانت تحذيراتهم وتوقعاتهم صدرت مبكراً للجهات المسؤولة، أم أن الأمطار أتت على حين غفلة؟ ننتقل للحديث عن توقعاتكم لموسم الخريف هذا العام ؟ ومقارنته بالمواسم السابقة للامطار؟ بالنسبة للتوقعات المناخية لهذا العام نحن اعتمدنا العمل عبر طريقتين، طريقة موسمية قراءة عامة للموسم ككل واخرى شهرية.. وقسمنا السودان الى مناطق وقطاعات مناخية، القطاع الأول يشمل الشمالية ونهر النيل والقطاع الثانى هو قطاع البحر الاحمر، والقطاع الثالث يشمل ولايات الوسط الخرطوم والقضارف وكسلا والجزيرة وسنار والنيل الازرق والنيل الابيض، اما القطاع الرابع فيشمل قطاع غرب السودان ولايات دارفور وشمال وغرب كردفان وجميع الولايات الغربية الاخرى. وبالنسبة للتوقعات فقد كان التوقع عامة خصوصاً فى قطاع الوسط يكون فى حدود المعدل الى اعلى من المعدل بصفة عامة، اما بتحديد شهرى فنجد ان شهر ستة وسبعة وتسعة تكون الامطار فى حدود المعدل، اما شهر ثمانية فسترتفع الامطار لتكون فى حدود المعدل الى اعلى من المعدل احياناً، أما في قطاع الغرب فستكون فى حدود المعدل الطبيعى، والى الآن تتوافق توقعاتنا مع الواقع بشكل تام. عفواً لكن ما هو تعريف المعدل المناخى؟ المعدل المناخى هو متوسط هطول الامطار لآخر ثلاثين عاماً ونستخرج المتوسط للنسبة الناتجة ونعتمده بذلك، وقطعاً المعدل المناخى يختلف من منطقة الى اخرى، مثلا بنهاية الموسم المطرى لهذا العام نضيف حسابات العام، وهنالك قسم مختص بالكمبيوتر يجرى هذه المعادلات. وهنالك قياس معين اذا افترضنا ان الخرطوم المعدل المناخى لها «90» نقيس بناءً على ذلك اذا كانت الامطار فى حدود المعدل او اعلى او اقل من المعدل. هل امطار هذا العام ستتسبب فى حدوث كارثة بيئية سيول وفيضانات مثلاً؟ اولاً انا اريد ان اتوقف قليلاً عند تفسير الكارثة، بمعنى ان الكارثة تحدث عادة بسبب عدم الاستعداد، فالكوارث هى حالات نسبية يحددها مدى الاستعداد للموسم. إذن هل تخطت معدلات الامطار هذا العام الخطوط الحمراء؟ أبداً أمطار هذا العام اذا ما قورنت بامطار الدول المجاورة كمصر مثلاً او دول شمال افريقيا لوجدناها فى الحدود المناسبة، وربما كانت بالدول المجاورة اكثر، مع الأخذ بعين الاعتبار أن دولاً مثل كينيا ونيروبى تمتلك مصارف مياه طبيعية، اما نحن فللأسف لا نمتلك مصارف توزيع وتصريف للمياه لا طبيعية ولا صناعية. إلى ماذا يرجع السبب فى الكوارث الداخلية الآن.. مقتل العشرات وانهيار آلاف المنازل بالخرطوم وخارج الخرطوم؟ الواقع يؤكد أننا للأسف غير مستعدين لاستقبال ادنى معدلات الامطار، وانا من هنا إلوم المسؤولين ووزارة التخطيط العمرانى والبنى التحتية والاراضى التى تمنح المواطنين شهادات بحث ومنازل واراضى غير مخططة، وتمر عبرها السيول.. فهل يتم التنسيق مع الاستشاريين والمهندسين قبل الشروع فى توزيع الاراضى ام هى فوضى عارمة تضرب بأطنابها لدى الجميع. أنتم بدوركم فى ادارة التوقعات الجوية هل عملتم بتنسيق مع الجهات المناط بها العمل على حماية المواطنين؟ نحنا في الهيئة العامة للارصاد الجوى درجنا على إيفاد أحد المختصين الى نيروبى «مركز الإيقاد» ومن هنالك ننظم عملاً تاماً للموسم وتوقعات الأمطار، ونستعرض التقارير المناخية ونخطر الجهات المسؤولة بذلك سواء أكانت وزارة الزراعة او ادارة الدفاع المدنى وغرفة الطوارئ بولاية الخرطوم، والآن استحدثنا طريقة اخرى وهى صنع خط ساخن مع الولايات، ففى حال توقع اى امر طارئ نعمل على تحذير الولايات والدفاع المدنى، ونحن نشارك بالاجتماعات الأسبوعية واتصال يومى على رأس كل ثلاثين دقيقة للإلمام بادق التفاصيل عبر الخط الساخن. هذا يعنى أن الجهات المسؤولة كانت تعلم بتوقعاتكم مثل الأمطار التى هطلت الاسبوع المنصرم واستمرت لما يربو على ست ساعات؟ نعم نحن أخطرنا جميع الجهات بذلك، وأنا شخصياً تحدثت حتى للوسائط الإعلامية بتوقع امطار غزيرة فى الخرطوم والجزيرة، وقد فاقت المعدلات المناخية فى عدد من المناطق، مثلا شمبات «67» ملم، كما ارتفعت معدلات الامطار فى الشمالية كذلك اذ وصلت الى «50» ملم، وفى مناطق مثل شندى وعطبرة تكون المعدلات الطبيعية فى حدود «20» ملم، وقطاع الوسط «30» ملم تقريباً. هل يعنى حديثك أن أزمة الخرطوم تحديداً مصنوعة؟ نعم نحن مشكلتنا عدم التخطيط، فالخرطوم الآن تمددت واستقطبت غالبية سكان السودان، فنحن الآن فى حاجة لعمل اعادة تخطيط ودراسة علمية لإنشاء شبكات تصريف دائمة وعدم التصديق بتوزيع اراضٍ سكنية فى مواقع السيل. فعدم التصريف الجيد للأمطار هو سبب الدمار الحالى، فأساساً طبيعة التربة فى الخرطوم طينية الى طينية رملية، فالولاية سابقاً كانت غابات زراعية، لذلك تشبع التربة بالمياه وعدم التصريف الجيد سيؤدى الى تدمير البنى التحتية والمنازل. فى إطار مسؤوليتكم عن إصدار التوقعات هل تتم استشارتكم او اشراككم فى نشاطات لاستعدادات الخريف؟ فهم دائماً يؤكدون جاهزيتهم للخريف لتسقط إدعاءاتهم امام اول هطول للامطار؟ مهمتنا الأساسية تمليك المعلومة حول توقعات الموسم، اما التخطيط فهو مسؤولية جهات تنفيذية اخرى، والاجابة عن هل ستكون هنالك امطار او هل ممكن حدوث سيول اما ما دون ذلك، فمفروض ان يكون من صميم مسؤولية جهات اخرى. هل تتوقعون سيولاً تشابه احداث عام 1946م كما سمعنا من تصريحات إعلامية مصدرها وزارة الرى؟ نحن لكى نتفادى الكارثة عادة نتوقع الأسوأ، وشهر ثمانية يشهد أعلى معدلات هطول الأمطار، ويبدأ بعد نهاية الشهر تراجع لمستويات الأمطار، وبالتالى فإن منسوب النيل يبدأ فى الانحسار تدريجياً، وبالتالى فإن هذا الشهر ينبغى ان يكون عليه التركيز، فينبغى أن تكون قمة الاستعدادات في هذا الشهر. بالرجوع إلى معلوماتكم. ما هي أعلى المعدلات التي سجلت هذا العام، وفي أي المناطق كان ذلك؟ بعض المناطق سجلت معدلات عالية، وهناك مناطق تعدت ال 100 ملم استحضر منها مثلاً الحديبة بالقرب من عطبرة سجلت 79 ملم، وشندي 50 ملم، وشمبات 69 ملم، وبالنسبة لغزارة الأمطار كما ذكرت سابقاً إذا تخطت ال 30 ملم تعتبر غزيرة. ننتقل للحديث عن قطاع الشرق وعن مدى تأثير الأمطار بالهضبة الأثيوبية على مناطق مثل مدينة كسلا؟ إثيوبيا والهضبة الإثيوبية هى الرافد الرئيس لمياه النيل لذلك توالي هطول الأمطار على الهضبة يعني مزيداً من الارتفاع في مناسيب النيل وإلى الآن ما زالت الأمطار تهطل بغزارة على الهضبة الإثيوبية ووزارة الري هي المسؤولة من قياس مناسيب النيل، لكننا نعطيهم مؤشراتنا التي على ضوئها يبنون دراساتهم لارتفاع أو انخفاض مياه النيل، وبلا شك المناطق القريبة ستكون هي الأكثر تضررً من زيادة مناسيب المياه بالهضبة الإثيوبية. عموماً توقعات لمدينة كسلا تأتي متقاربة مع المدن في قطاع الوسط الخرطوم والجزيرة والقضارف وسنار والنيل الأزرق والنيل الأبيض. دائماً ما تستحضرون في شرحكم للخريطة المناخية تحديد ما يسمى الفاصل المداري. ما هو الفاصل المداري وأين يستقر الآن؟ الفاصل المداري عبارة عن خط وهمي يفصل ما بين الرياح الجنوبية الرطبة والرياح الشمالية الجافة، وهو يعتبر من العوامل التي نستعين بها لمعرفة احتمالية هطول الأمطار. فالمناطق التي تكون جنوب الفاصل المداري نتوقع بها ظهور سحب وهطول أمطار، عكس شمال الفاصل المداري حيث الرياح الجافة والفاصل المداري الآن مستقر نسبياً ويمر بوادي حلفا والمدن الموازية بالغرب. مما يجعل غالبية مدن وولايات السودان معرضة للأمطار. والفاصل المداري الآن مستقر إلا أننا نتوقع أن يتحرك شمالاً في الأسبوع القادم مما ينذر بهطول مزيد من الأمطار. ً ماذا عن توقعاتكم لهذا الأسبوع؟ بالنسبة لولاية الخرطوم نتوقع هطول الأمطار في الفترة ما بين مساء الإثنين إلى صباح الثلاثاء في حدود المعدلات الطبيعية إلى أعلى قليلاً، وربما تكون في شرق السودان أعلى من الوسط. كذلك نتوقع استمرار الأمطار في جميع الولايات من بينها البحر الأحمر والشمالية فموقع الفاصل المداري حالياً يجعل ولايات السودان عرضة لاستمرار هطول الأمطار. على ماذا تعتمد دراسة التوقعات الجوية وإلى أي مدى قد تقترب التوقعات المناخية من الواقع المناخي؟ نعتمد في قسم التوقعات الجوية على عمل اختصاصيين وراصدين ومهندسين، وهو يعتبر مركزاً لتجميع المعلومات التي نرصدها من المراكز المناخية، ونحن لدينا حوالى «28» مركز رصد معلومات موزعة على مختلف ولايات السودان، فالمعلومة تأتي من الراصدين وتتحول للاختصاصيين وهم بدورهم يجرون النشرة والتوقعات لنقوم بعد ذلك بتمليك المعلومة للجهات المعنية بذلك سواء الطيران المدني الذي يعتمد اعتماداً كلياً على التوقعات في الملاحة الجوية أو البحرية، ونستقبل كذلك المعلومات عن التوقعات عن طريق الربط في المنظمة العالمية للإرصاد الجوية التي نتزود منها بالمعلومات على مدار اليوم ونرفدها كذلك بالتوقعات والمعلومات المحلية باستمرار. «28» محطة رصد فقط هل تكفي لتوفير المعلومات في بلد مترامي الأطراف كالسودان؟ قطعاً العدد غير كافٍ خصوصاً إذا قارناه بالدول المتقدمة مثل أمريكا التي تمتلك أكثر من «2500» محطة رصد جوي نحن لا نمثل سوى 1% من عدد المراكز بالولاياتالمتحدة كما أنها تمتلك مئات الرادارات المتخصصة في الرصد على عكس دولتنا فنحن للأسف لا نمتلك أي رادار جوي إلى الآن. وهو الجهاز الذي يرصد حركة السحب واتجاهاتها، ولكننا رغم ضعف الإمكانيات نحاول استقصاء المعلومات الصحيحة. إذاً، هنالك ضعف في عدد المحطات ونوعية الأجهزة المستخدمة للرصد؟ حالياً هنالك مشروع ترقية للمحطات الموجودة يشمل تركيب أجهزة فلندية تقنية وأتوماتيكية حديثة بدأنا فعلياً في تركيبها بعدد من المحطات من بينها محطة عطبرةوشمبات وسيكتمل التركيب لاحقاً في غضون الشهور القادمة. تمويل الهيئة العامة للإرصاد الجوي من أين يأتي؟ هو تمويل ذاتي نحن نمول عملنا وعندنا ربط مع الطيران المدني والدفاع المدني لكن اعتمادنا الكلي على الطيران المدني. مشكلاتنا الأساسية تتمثل في أن عدد محطات الرصد قليلة والحاجة إلى تركيب رادار. فالحكرة المناخية ومعلومة الإرصاد تمثل عصب الحياة، فالدول المتقدمة تبني إستراتيجياتها وخططها بناء على التقارير المناخية، الملاحة الزراعة الري الرعي وحتى المصانع جميعها تستقي مشروعاتها على هذه المعلومة، مثلاً المخزون الإستراتيجي والموسم الزراعي. ختاماً، متى ستنخفض معدلات الأمطار من خلال توقعاتكم؟ في شهر سبتمبر سيبدأ الانخفاض التدريجي للأمطار وقد تهطل بعض الأمطار القليلة في شهر أكتوبر، فلكل قاعدة شواذ وقد يحدث هذا خلال العام الحالي.