وجه النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق أول ركن بكري حسن صالح لدى مخاطبته ملتقى تعزيز البيئة الاستثمارية أمس الأول، وجه بضرورة إجراء إصلاحات شاملة للقوانين الخاصة باستخدامات الأراضي لإنجاح الاستثمار، مشيراً إلى أن القوانين بحاجة إلى مرونة لتنفيذها وإعادة صياغة العلاقات بين مكوناتها. وامتدح بكري قانون الاستثمار، وقال إنه من أفضل القوانين بالبلاد. إنني هنا أضم صوتي لسعادة النائب الأول بأن قانون الاستثمار من أفضل القوانين، ولكن المعضلة في ضعف إرادة التنفيذ، وشبح المخاوف الملازم للمستثمرين وجعلهم في حالة توهان ما بين المركز والولايات. والانتهاكات التي يتعرضون لها بسبب عدم التوافق ما بين مؤسسات الدولة الواحدة، فإذا نظرنا للاستثمارات الكبيرة نجدها محصورة في الزراعة والصناعة وغيرهما من المشروعات جميعها تنفذ في الواقع على الأراضي، والأراضي بالقانون ملك للحكومة ولكن في الواقع هي ملك للأهالي، كما أن السلطات الاتحادية لا تملك سلطة التصديق على الأراضي وليس بمقدورها أن تمنح مشروعاً زراعياً واحداً، لأن القانون يعطي الولاية على الأراضي للسلطات الولائية ولا يوجد تنسيق محكم بين المركز والولايات. ولدي أنموذج لمستثمر مضت عليه خمس سنوات وهو تائه بين المركز وإحدى الولايات ولم يستلم الأرض التي يفترض أن يقيم عليها مشروعه، فبلغ به اليأس مبلغاً وآثر الانسحاب والانصراف إلى دولة أخرى يرى فيها احتراماً للقانون!! معظم الإجراءات الإدارية والقانونية الخاصة بالاستثمارات تقف عند الأهالي ولا تتقدم، فضلاً عن وجود التقاطعات وسوء الإدارة بين الولايات والمركز، حيث كل ولاية لديها قوانين ولوائح وإجراءات تفرضها بمنهجها الخاص، والطبيعي يكون الإجراء واحداً، وقد يكون قانون الاستثمار مشجعاً جداً ولم يفرض رسوماً ولكن القوانين والتشريعات هي التي تصنع هذه التعقيدات وتظهر عدم التناغم بين الولايات والمركز في كثير من اللوائح والإجراءات الخاصة بالاستثمار، فإذا نظرنا للمستثمر الأجنبي مثلاً لا يعرف ولايات ومحليات أو أي مستوى من مستويات الإدارة والحكم في السودان، يعرف شيئاً واحداً وهي السودان بلد واحد ومفترض يكون القانون واحداً وتطبيقه على مستوى واحد وليس بهذا الأسلوب الطارد والشائه الذي نراه!! إن تعزيز البيئة الاستثمارية لن يتم ما لم تكن هناك نافذة واحدة يتعامل معها المستثمر، وتكون العلاقات واحدة بين أطراف العملية والمتمثلة في المركز والولايات والمستثمر ثم المواطنين، وأن تختفي ظاهرة التسويات التي تتم بين المستثمر والمواطنين على الطريقة التي تمت في مشروع سكر النيل الأبيض وغيره من مشروعات قومية، وضرورة اتباع إجراءات الضبط والمراقبة والمحاسبة في كل مستوى من مستويات العملية الاستثمارية، حتى يشعر المستثمر والمواطنون بأن القانون يطبق بإرادة وعزيمة. حسناً ظلت تفعل رئاسة الجمهورية وهي تتابع شأن الاستثمار وتجعله أمراً سيادياً، وهو كذلك ويمثل عصباً وعموداً فقرياً للاقتصاد الوطني في ظل الظروف التي تمر بها بلادنا، والمنافسة بين الدول في تهيئة الاستثمار وجذب رؤوس الأموال وأصحابها إن الانتباه مطلوب، كما أن هناك استثمارات أيضاً لا ترقى بأن تصنف ضمن الاستثمارات الأجنبية مثل صناعة البلك وطوب البناء أو محلات المأكولات الشعبية والمحلات التجارية المكونة من رؤوس أموال متواضعة، فهذه يمكن أن يقوم بها مستثمرون محليون، وأن تكون المشروعات المخصصة للاستثمار الأجنبي معروفة ومصنفة من حيث الحجم ورأس المال والمجالات، لأننا نشاهد نوعاً من الاستثمارات الأجنبية في المرحلة الأخيرة دون الطموح والمستوى المطلوب!!