ويظل المواطن ينتظر ويترقب، وحتى لا يتمخض الجمل ليلد فأراً فإن القضايا والمعضلات الاقتصادية التي أقعدت السودان وجعلته كسيحاً يستجدي الأمم ويستعطف الشعوب تلك الحالة البئيسة تدعو إلى: أولاً: تقليص عدد الولايات الحالية في السودان الى ست ولايات فقط، وهذه الست تتكون من التالي: 1/ العاصمة القومية. 2/ الجزيرة والنيلان الأبيض والأزرق. 3/ نهر النيل والشمالية. 4/ كردفان الكبرى. 5/ دارفور الكبرى. 6/ البحر الأحمر. إن وضع السودان اليوم كبلد نامٍ وقطر له منذ استقلاله أكثر من نيف وخمسين عاماً قرابة الستين عاماً يستحق أن يكون في وضع مغاير لما هو عليه الآن. وسودان اليوم يستحق أن يكون دولة مترابطة الأطراف، مقتدرة الإدارة والتنظيم، متماسكة القوى، السياسية والاجتماعية والشعبية، دولة بلا شك أفضل مما نحن عليه اليوم من فقدان للإرادة السياسية وإرادة الفعل، مشتتة الأفكار والاتجاهات، مهلهلة الأطراف وغير مترابطة، تغري الطامع بالغزو والسرقات والتهريب والهمبتة. كل ذلك يدعو إلى مراجعة الأوضاع وفحصها «إكلينكياً» بعناية ودقة ومراجعة الأمور لربط الأطراف المحلولة بصورة تدع الى «الانكراب» بشد المئزر وربط حزام الوسط القشمير والتشمير الحقيقي من أجل العمل وزيادة الإنتاج واستعمال الأرض واستغلال الموارد المتاحة بصورة تدعو الى بناء الحيثية والعكسية الحقيقية للأمة السودانية. وواضح جداً من الرجوع إلى تجاربنا في الماضي وعدد مديريات السودان التسع، والى تجارب دول أخرى متقدمة ونامية، أن الدولة المنكربة والحازمة والحاسمة لأمورها والعادلة والمنصفة لشعبها تقوم بتمليكه الحقائق عارية كما هي حتى يدرك ويعرف كيف يتصرف أو هي تتصرف أي الحكومة بتفاعل وأمل مع شعبها. ثانياً: الدولة معقولة الحجم والمترابطة: أ/ إن حجم الولاية الكبرى والمقترح أعلاه يمثل اتساعاً في الأسواق، لاستيعاب المنتجات الزراعية والصناعية والخدمية التي تنتج في الولاية الكبيرة، كما يعين السلطات التنفيذية والإدارية «الحكومية» على تحديد نوعيات الخدمات والسلع وجودتها وأسعارها، وغير ذلك من سياسات تخدم المواطن، حيث جودة المنتج ومعقولية السعر أو جباية الخدمات والرسوم المتحصلة. كل ذلك بدلاً من أسعار متفاوتة وخدمات متضاربة ورسوم وجبايات متنافسة، وغير مرتبة ولا منسقة. ب/ كما أن التنافس حول مستوى جودة الخدمات والسلع وتحديد كمياتها لتوافرها في الأسواق وفي متناول المستهلكين، يقود الى تحديد معايير وضوابط تسهم في تخفيض الميزانيات للولايات المختلفة، ويشجع على رفع كفاءة الإدارة والحكم بالولاية الجديدة، والموسعة، أي الكبيرة نسبياً. وحيث أن تقوية مشروعات البنية الأساسية وإقامة مشروعات جديدة مسألة تحتاج إلى أموال كبيرة، ومن عملية الدمج وتوسيع الولايات تتوافر أموال لميزانية تقابل احتياجات زيادة وتقوية الخدمات المتأتية من إقامة مشروعات البنية الأساسية ومشروعات التنمية، مما يشجع على مزيد من الاستثمارات بالولاية المبكرة. ج/ إن تنسيق قوانين الاستثمار الولائية ولايات جديدة، محددة ومكبرة، مع قانون الاستثمار المركزي، يكون أيسر مهمة وأسرع إنجازاً وأسهل تحقيقاً من الكثيرة، والتناقضات و «الهترشة» الحالية والمعضلات التي يعاني منها المستثمر في الولايات اليوم هذا المستثمر سودانياً كان أو أجنبياً، فهو محترق الأصابع بذات النيران، نيران السلطة الطاغية بلا طائل والتناقضات بلا وجيع ولا حائل، وخاصة في ما يتعلق بمنح أو تخصيص أراضٍ لمشروع استثماري، وما يرتبط بذلك المشروع وتلك الأراضي من خدمات وامتيازات. د/ إن اتساع السوق بتصريف المنتج من السلع والخدمات هو واحد من أهل العوامل الجاذبة الى الاستثمار في بلد ما أو مكان ما بذلك البلد، مضافاً الى ذلك جودة البنيات الأساسية والخدمات وحوافز الاستثمار من إعفاءات رسوم وضرائب جمركية وغيرها من مشجعات وجواذب للمستثمرين أجانب ومواطنين. وهذه بلا شك تغني السودان بولاياته الجديدة عن قدر كبير من القروض والشركات الضارة والممتصة لأقوات الشعوب ومقدراتها ومواردها وثرواتها. ومن المعلوم أنه عادة ما تترتب على القروض فوائد قد تمتد اذا لم تسدد في آجالها الى أجيال قادمة من الأبناء والأحفاد والأسباط، وتكون عبئاً عليهم وعلى حساب حقهم في الرفاهية المستحقة من ثروات وخيرات بلادهم، كما تشكل أطواقاً ثقيلة ورهيبة على أعناقهم حتى يسددوها أو تعفى لهم، وهيهات ولات حين مناص. ومن هنا يتضح لنا وللسادة المتحاورين أن الصرف على ولايات دولة بهذا الاستواء والنمط الجديد المتأمل، يكون صرفاً في محله ومكانه، إذ يكون صرفاً على حماية تلك الدولة ومقدراتها وسكانها، كما يكون صرفاً مستحقاً لتوفير الأمن والاستقرار والرخاء وزيادة الإنتاج والإنتاجية.. صرف من نوع الواجب الأساس والرئيس والشرعي والذي لا بد منه، وعندها نكون قد بدأنا رحلة الميل كما يقول الصينيون والتي عادة تبدأ بخطوة، ونكون قد خطونا الخطوات الجريئة، والمتفق عليها في الطريقة الصحيحة الى العلو والرفعة والمجد، ويومها يحق لنا أن نغني مع الفنان محمد حميدة «تور الجر الصغير» «أمة الأمجاد» وإلا فعلى الدنيا السلام، ويومئذٍ ينطبق علينا المثل السوداني السائر «عبّاً بسيدو ولا حراً مجهجه»، أي خير لنا أن نكون مثل العبد الذي له سيد عرف البيه والعليه ولا حراً تائهاً محتاراً ومتناقضاً، مذبذباً والعياذ بالله من تلك حالة ووضعية. إن ولايات السودان اليوم وأهلها الطيبون الصابرون والمرابطون والذين هم على الجمر اللظى يحترقون، تشهد هذه الولايات متاهة وحيرة وبعضها بلا حكام راشدين ومقتدرين وأخريات بلا ميزانيات تسيير ناهيك عن التنمية والتعمير، وآخرون وأخريات تدوس على حقوق الإنسان الأساسية والتي تعينه على الحياة والبقاء، ناهيك عن الرفاهية والنماء وأخريات من الولايات سكانها منبتون حائرؤن لا أرضاً قطعوا ولا ظهوراً أبقوا، وتلك محنة لا نملك إزاءها إلا أن نقول لهم «البقاء لله والبركة فيكم». ثالثاً: ومن المأمولات المتوقعة كمخرجات للحوار، إعادة النظر في عدد الوزارات واختصاصاتها وصلاحياتها، وذلك بالإلغاء أو الدمج، وذلك يكون بالصور والهيكلة التي تؤدي الى تحسين مستوى الأداء وتقصير الظل الاداري ورفع كفاءة العاملين وتوفير الجهد والمال، وهذه بعض أمثلة وليست للحصر: 1/ إعادة تشكيل وزارة التجارة الخارجية لتكون «وزارة التجارة الخارجية والداخلية والتعاون» مع منحها السلطات والصلاحيات الخاصة بالتجارة الداخلية والتعاون، وذلك لتنظيم الأسواق وتوفير السلع ومراقبة الجودة والأسعار وتقديم الإحصائيات الخاصة بذلك. 2/ دمج وزارة التعاون الدولي مع وزارة الاستثمار وذلك للمشابهة في المهام والتخصصات، ومن أجل التنسيق المطلوب محلياً وخارجياً إقليمياً ودولياً. 3/ دمج وزارتي الصناعة والمعادن في وزارة واحدة باسم «وزارة الصناعة والثروة المعندية» وذلك لتكاملهما في المهام من ناحية، وللاستفادة من حصيلة المستخرجات المعدنية لتمويل المدخلات الصناعية من ناحية أخرى. 4/ دمج وزارتي الزراعة والري في وزارة واحدة لاعتمادهما على بعضهما البعض ولتكامل المهام والأدوار. 5/ دمج مهام وزارة الثقافة والإعلام والشباب والرياضة في وزارة واحدة. وذلك على أن تحدد اختصاصات وصلاحيات ومهام كل وزارة وبصورة تحدد بها مهام الوزراء ووزراء الدولة والمستشارين والوكلاء بقوانين اذا دعا الحال، أو لوائح تستند الى قوانين أو فقرات من الدستور، بحيث تكون السلطات والصلاحيات واضحة ومحددة في تناغم وتناسق وانسجام وبلا تداخل أو تغول أو صدام. ونواصل إن شاء الله حول المحورين الاجتماعي والأمني والتوقعات لهما.