القارئ العزيز.. كم كنت سعيداً ان اكون مشاركاً في حفل ذكرى بروفيسور علي المك، وذلك في منتدى امدرمان، وحقاً كان اروع تكريم لأحلى نسمة امدرمانية طيبة لابن ام درمان الوفي بروفيسور علي المك رحمة الله. ولنعيد الذكرى العطرة المتجددة لمن بكر بالرحيل وغادر دنيانا سريعا. غادرنا بهدوء شديد يشبه الاعتذار لمن احبوه «سكت الكنار» وكم تعبت بحثا في القواميس والكتب فلم اجد اصدق تعبير في مناجاته الاخيرة لأحبابه الا بتلك الكلمات الحنينة المؤثرة المليئة بالشوق في لحظات الوداع اخاله يناجيهم ويقول لهم «اليوم انتهى يا احبابي تغريدي، فاذكروني اذا رجعتم غداً اغاردي، حان وقت الوداع فسلام ولا تترقبوني في مواعيدي، انا ذاهب تحملني نسائم دعوات أحبابي وبعض من تراتيلي» غادر حبيبته ام درمان بعد ان ارتوى بعطر محبتها ومحبة اهلها.. غاب جسده فأشرقت شمس ذكراه العطرة في قلوبنا ووجداننا. القارى العزيز.. كانت كلماتي في الحفل صادقة وأمينة وليست كلمات لحالة انفعالية مؤقتة، اذ ان الحديث عن بروفيسور علي المك لا ينقطع ولا ينتهي، ولكنني اكتفيت باشارات خاطفة لمواقف جميلة تركت اثراً طيباً في نفسي ابدأها بذكرى حلوة طواها الزمن ولكنها حية في داخلي، وهي عندما كنت اقابله آخذه بالاحضان واقول له «أبو علوة النسمة الحلوة»، كان يضحك بسعادة واضحة ويقول لي بصوته المميز «اهلاً بي مهنا عاشق ام درمان مدينة الوجدان». وكان رحمه الله تعجبه كثيراً بعض خواطري رغم تعليقه الساخر الضاحك بأنها لغة غير مفهومة وكلام كُتُر.. وربما رأى فيها مجرد تمرينات أولية في الشعر لا تستحق البقاء. القارئ العزيز.. ان الشخصية السودانية مهما علت مكانتها الأدبية والاجتماعية والعلمية تجدها مثالاً حياً وأنموذجاً رائعاً للبساطة والمحبة والتواضع المثير للإعجاب، بل وتواضع العشب الاخضر. القارئ العزيز: لا يفوتني موقف جميل معه حين تقابلنا في مناسبة عقد قران، وذلك بعد صلاة المغرب.. وقد كان محاطاً برموز ام درمانية جليلة، فطبعاً من المستحيل اقول له ابو علوة اذ ان لكل مقام مقال ومكانته محفوظة ولها قدرها واحترامها في قلبي.. فرفعت صوتي عالياً وقلت له: مساء الخير يا بروف علي ورد علي قائلاً: «شينة وما حلوة وما بتشبهك»، فاسرعت اليه فاتحا ذراعي لاقول له: ابو علوه النسمة الحلوة، فقال لي أهو ده الكلام الطيب الجميل الذي أحبه. القارئ العزيز.. دارحديثا بيننا عن سيدة ام درمانية من حي ابو روف العريق توفيت والدتها في لندن فبكتها بكاءً مراً لم يعجب الخواجات، فقالوا لها وبأسلوب جاف «ما تعملي دوشه وإزعاج إمك ماتت خلاص قولي ليها «باي باي» باي باي كلمتين حروفهما رقيقة وجميلة، ولكن صداها عبر ردهات الروح كانت كانفجار قنبلة لهذه المسكينة.. وأثارت هذه الكلمات وجدان اخي علي المك فقال لي بأسى بالغ ارجو ألا يأتي اليوم الذي نودع فيه احبابنا بالباي باي.. وأثارت كلماته خواطري فقلت فيها: فيكي يا أبو روف عشت احلى طفولة وما بنسى فرحة الطرماي ما بنسى فيكي يا ابو روف وقت عصرية فرحان سعيد بي جدعة الرماي ما بنساك يا أحلى عمر وبنساكي يا يمة بي حنية النوناي ما بنساكي وكتين تقولي تعال يا جناي لي جاي راجياك تشرب معاي الشاي ما بنساك يا تراب بلدي وما بنسى روعة شجرة الباباي ما بنساك يا نخيل عالي وعمري ما بنسى ود لقاي سافرت فرحت بالغربة قايل السعادة رطانه عاجباني كلمة هاي في الغربة فقدت أمي منعوني أبكيها وقالوا كفاية كلمة باي قهرني بالحسرة وقالوا الحضارة أودعك يا امي بالباي باي راجع بيكي يا يمة لي تراب بلدي أبكيك بالحرقة ومغبون من الدايرني أبكيك بالباي باي ببكيكي بي عمري يا عمري وملعون ابو الغربة وملعون ابو الباي باي القارئ العزيز: حقيقة كان يوماً جميلاً علي الود والمحبة التقينا لنعيد الذكرى الجميلة.. فالتحية لمن عاش بالوجدان في مدينة الوجدان.. وحقا لا يموت احد إذا كان لديه من يتذكره.