الله تبارك وتعالى أعد لعباده المؤمنين في دار الخلد من النعيم المقيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وإليك هذه الآية رقم «52» من سورة البقرة في صفة نعيم الجنة قال تعالى «وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقًا قالوا هذا الذي رُزقنا من قبل وأتوا به متشابهًا ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون». في هذه الآية الكريمة: ذكر المبشر والمبشر به والسبب الموصل لهذه البشارة: 1- فالمبشِّر هو الرسول صلى الله عليه وسلم ومن قام مقامه من أمته. 2- والمبشَّر هو المؤمنون العاملون الصالحات. 3- المبشر به هو الجنان الموصوفات بتلك الصفات، والسبب الموصل لذلك هو الإيمان والعمل الصالح فلا سبيل للوصول إلى هذه البشارة إلا بهما، وهذا أعظم بشارة حاصلة على يد أفضل الخلق بأفضل الأسباب قوله تعالى «وبشر» أي أيها الرسول ومن قام مقامك. قوله تعالى «الذين آمنوا» بقلوبهم «وعملوا الصالحات» بجوارحهم فصدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة ووصفت أعمال الخير بالصالحات لأن بها تصلح أحوال العبد وأمور دينه ودنياه وحياته الدنيوية والأخروية ويزول بها عنه فساد الأحوال فيكون بذلك من الصالحين الذين يصلحون لمجاورة الرحمن في جنته. فبشرهم «أن لهم جنات» أي بساتين جامعة للأشجار العجيبة والثمار الأنيقة والظل المديد والأغصان والأفنان وبذلك صارت جنة يجتن بها من داخلها وينعم فيها ساكنها. «تجري من تحتها الأنهار» أي أنهار الماء واللبن والخمر والعسل يفجرونها كيف شاءوا ويصرفونها أين أرادوا وتسقى منها تلك الأشجار فتنبت أصناف الثمار «كلما رُزقوا منها من ثمرة رزقًَا قالوا هذا الذي رُزقنا من قبل» أي هذا من جنسه وعلى وصفه كلها متشابهة في الحسن واللذة ليس فيها وقت خال من اللذة فهم دائمًا متلذذون بأكلها. وقوله «وأتوا به متشابها» قيل متشابهًا في الاسم مختلفًا في الطعم وقيل متشابهًا في اللون مختلفًا في الاسم وقيل يشبه بعضه بعضًا في الحسن واللذة والفكاهة ولعل هذا أحسن ثم ذكر مسكنهم وأقواتهم من الطعام والشراب وفواكههم وذكر أزواجهم فوصفهم بأكمل وصف وأوجزه وأوضحه فقال «لهم فيها أزواج مطهرة» فلم يقل مطهرة من العيب الفلاني ليشمل جميع أنواع التطهير فهن مطهرات الأخلاق مطهرات الخلق مطهرات اللسان مطهرات الأبصار فأخلاقهنَّ أنهنَّ متحببات إلى أزواجهن بالخلق الحسن وحسن التبعل والأدب القولي والعملي ومطهر خلقهن من الحيض والنفاس والمني والبول والغائط والمخاط والبصاق والرائحة الكريهة ومطهرات الخلق أيضًا بكمال الجمال فليس فيهن عيب ولا دمامة خلق بل هن خيرات حسان مطهرات اللسان والطرف قاصرات طهرفهن على أزواجهن وقاصرات ألسنتهن عن كل كلام قبيح. وهذا الوصف يشمل النساء من بنات حواء والحور العين وتتميز المؤمنات من بنات حواء بكونهنَّ أجمل وأحب إلى أزواجهن من الحور العين لأنهن يدخلن الجنة بسبب الإيمان والعمل الصالح والحور العين خُلقن في الجنة.