قد يبدو عصياً على المستمع او القارئ لأية تصريحات تصدر عن الدكتور حسن الترابي، أن يتبين ما اذا كان صاحبها غاضباً أو منزعجاً أو مرتاحاً إزاء الحدث الذي أطلق بشأنه التصريحات، فهو غالباً ما يخفي انفعالاته الحقيقية التي تعبر عن الموقف الحقيقي، وللترابي في ذلك ملكة قوية لا ينازعه فيها أحد، فهو يبتسم في قمة الغضب، وربما يتمايل طرباً في قمة الحزن، لذلك فهو يربك كثيراً من الحسابات العادية، هذا فضلاً عن لغة الإيماءات والإشارات والألغاز التي يجيدها بامتياز.. غير أن الترابي هذه المرة بدا بغير العادة وهو يصدر أول تعليق على قرار الحزب الاتحادي الديمقراطي «الأصل» القاضي بالمشاركة في حكومة المؤتمر الوطني، إذ بدت انفعالاته بائنة للعيان، كما استعصى عليه إخفاء الغضب والثورة إزاء خطوة حزب الميرغني، حيث لم يقف الترابي عند حد التعليق على المشاركة، لكنه تعداها إلى استعراض سياسة «الخذلان» للحزب عبر تأريخ طويل، إذ قال الترابي: «إن الحزب الاتحادي عبر تاريخه كان في حالة ائتلاف مع الحكومات النيابية والعسكرية، وإن الطريقة الختمية حالها حال بعض الطرق الصوفية ظلت توالي السلطان، ويصعب عليها أن تجابهه وتعارضه. وأشار إلى أن معظم ضباط حكومة عبود كانوا موصولين بالطريقة، وأن الختمية لم تعارض مايو، وجابهت الإنقاذ في أول الأمر لأن مرشدها لديه أصول في «إريتريا» التي استضافت التجمع. وعزا الترابي مشاركة الميرغني إلى أنه تعرض إلى دفوع من «تحته وفي وجهه»!! لكن السؤال الذي يثور بقوة ويخرج لسانه هو: لماذا بدا الترابي منفعلاً وعجز عن كبح جماح الغضب هذه المرة، خلافاً لما هو معهود وهو يسيء للحزب الاتحادي وطائفة الختمية ويشكك في أصول مرشد الطائفة ؟... وثمة سؤال آخر يفرض نفسه: ما الذي يقصده الترابي بالدفوع التي من تحت الميرغني وفي وجهه...!!؟؟ حسنا.. لقد كان اللقاء الضجة بين الدكتور حسن الترابي والسيد محمد عثمان الميرغني بفيلا الثاني التي تسمى بطيبة بالعاصمة المصرية، بمثابة حجر كبير ألقى به الأول الذي طلب اللقاء في بحيرة ظلت ساكنة زمناً طويلاً منذ استيلاء الجيش على السلطة بتدبير من الترابي في 30 يونيو 1989م، إذ تفاجأت الأوساط السياسية باجتماع الزعيمين «الميرغني والترابي» الذي لم يتم طوال الفترة الماضية بين الرجلين، إذ بدا وكأن الذي بينهما ما صنع الحداد. وتردد وقتها أن هنالك تكتلاً سياسياً جديداً قد يتبلور أشبه بالتجمع الوطني الديمقراطي لإسقاط النظام، وأكد الترابي أن محمد عثمان الميرغني قد نفى خلال حديث دار بينهما ما تردد من أحاديث حول إمكانية مشاركة حزبه في تشكيل الحكومة القادمة بالسودان، مؤكداً أن الهم الأكبر الآن هو مصير الوطن بعد التطورات التي أعقبت انفصال جنوب السودان، وبدا أن هذا التأكيد الذي خرج به الترابي من «أبو هاشم» قد يقرب بين الرجلين كثيراً، خاصة أن هنالك مخاوف كبيرة سرت في الوسط السياسي وقتها من مشاركة الاتحادي ومساندته لنظام في نظر الترابي بات يلفظ أنفاسه الأخيرة. أما الميرغني فقد قال: «أرفض أن أتحدث في موضوع المشاركة في السلطة، وأتحدث عن الوطن والمواطن»، وهذه عبارة لها أوجه كثيرة وأكثر من مغزى. فيما قال الأمين السياسي للشعبي كمال عمر إن حزبه يدرك أن الاتحادي عامل مهم في الحراك لإسقاط النظام، انطلاقاً من العلاقة الاستراتيجية بين الحزبين التي بدأت بلقاءات عديدة منها لقاء أسمرا في عام 2004م. وتأسيساً على حيثيات لقاء «فيلا طيبة» وما صرح به الترابي وكمال عمر وقرار المشاركة، يدرك المراقب السياسي شدة الصدمة التي تعرض لها «الشعبي» الذي وضع كل بيضه في سلة «طيبة»، كما يتضح أيضاً حجم الصفعة التي تعرض لها الترابي من «أبو هاشم» الأمر الذي يبدو وكأن الميرغني خدع صاحبه بامتياز، مما يفسر انفعالات الترابي المُشار إليها في سياق هذا التحليل، إذ كان الترابي يعوِّل كثيراً على «تعفف» الاتحادي من السلطة أكثر من صهره الصادق المهدي الذي بدا وقتها قريباً من عتبات القصر الرئاسي أكثر من أي زعيم سياسي آخر ممن تحوم حولهم «تهمة» المشاركة في السلطة. أما حديث الترابي عن الدفوع التي تعرض لها الميرغني وساقته نحو المشاركة، ربما يقصد الترابي بالدفوع من «تحت الميرغني» الضغوط التي تعرض لها ممن هم دونه من القيادات والكوادر التي ظل لعابها يسيل للمشاركة منذ عام 2000م، عقب لقاء البشير بالميرغني في أسمرا، وأما الضغوط في «وجه الميرغني» ربما قصد الترابي بها الإغراءات من كبار رجال السلطة ممن لهم خطوط اتصال ساخنة مع الميرغني، أو ربما قصد أبناءه الذين بدت لهم ميول ورغبات في السلطة، ومن الممكن أن يكونوا قد أثروا على قناعات والدهم الحسيب النسيب.