أن يكون السيد الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة القومي وإمام طائفة الأنصار، هدفاً للانتقاد والتعريض السياسي من قبل الشيخ حسن عبد الله الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي والزعيم التاريخي للإسلاميين، فذلك أمر شبه معتاد في الآونة الأخيرة، بالنسبة للصحفيين على الأقل، أما أن يتوجه الشيخ بالنقد الصريح إلى مولانا محمد عثمان الميرغني، زعيم طائفة الختمية ورئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل، فذلك أمر خارج عن مألوف تصريحات الشيخ خلال الفترة الماضية، إذ يعود آخر تعريض سياسي علني من جانب الشيخ بمولانا إلى أيام اعتقال باقان أموم - أمين الحركة الشعبية حينها - من جانب الإنقاذ، وتجمع جماعة من أتباعه أمام دار الحركة في الخرطوم، ظهر الترابي بينهم بجلبابه على التلفزيون، ليقول إن هذا ليس وقت الاجتماعات واللقاءات، بل وقت قيادة الكبار للاحتجاجات، في تعريض بلقاءين منفصلين جمعا قبلها كلاً من المهدي والميرغني بالرئيس البشير. هذه المرة، انتقد الترابي القرار الذي اتخذه الحزب الاتحادي الديمقراطي بالمشاركة في حكومة الإنقاذ، وأرجع موافقة مولانا على دخول الحكومة إلى (دفوع من تحته ومن وجهه) كما قال الشيخ لجريدة (الصحافة) منتصف الأسبوع الماضي، تصريحات مضى فيها الترابي أبعد من مولانا، حينما أعتبر أن للاتحادي الأصل تاريخاً من الائتلاف مع الحكومات سواء أكانت مدنية أو عسكرية، قبل أن يحمل على الطرق الصوفية عامة والطريقة الختمية بالتحديد، ويتهمها بأنها ظلت توالي السلطان ويصعب عليها أن تجاهده وتعارضه، ويتابع أن الطريقة لم تعارض مايو، وأن معظم ضباط حكومة عبود كانوا موصولين بها. فتح النار من جانب المؤتمر الشعبي وأمينه العام د.الترابي على الاتحاديين وزعيمهم والطريقة الصوفية التي تدعمهم، يرى فيه البعض مجرد رد فعل طبيعي ومتوقع على قرار الاتحادي الديمقراطي ? الذي كانت المعارضة تراه منها ويرى هو نفسه في منزلة بينها وبين النظام ? الدخول في شراكة سياسية مع المؤتمر الوطني، خاصة وأن الشعبيين، برفقة الشيوعيين، عرفوا بأنهم أشد القوى السياسية رغبة في التخلص من حكم المؤتمر الوطني. كمال عمر - الأمين السياسي للشعبي - يؤكد أن تصريحات ومواقف الترابي تعبر عن مواقف الحزب بحكم كونه الأمين العام، ويقول إن الاتحادي كان محسوباً ضمن صفوف المعارضة على سبيل الخطأ، وأنهم ? في الشعبي ? كانوا يحاولون استمالة الاتحادي إلى موقف المعارضة، وصمتوا عن احتكار شخص واحد لقرار الاتحادي وأبقوا على شعرة معه طمعاً في أن ينصلح حال الحزب ورغبة في عدم خسارة قواعد الاتحادي، ويتابع: أما الآن فقد تمايزت الصفوف وقواعد الاتحاديين مع موقف الشعبي وتحالف المعارضة، وهي متضررة من أسلوب الطريقة الختمية في التدخل في شئون الحزب، رغم أنها طريقة غير معنية بالسياسة، ودخلتها في غفلة من المؤسسات. الصراع السياسي مع المؤتمر الوطني في المرحلة الحالية لا يبرر وحده هجوم الترابي اللافت على مولانا، وعلى الحزب والطائفة، فماضي التنافس والصراع بين الإسلاميين بزعامة الترابي، وبين الاتحاديين والمتصوفة يبدو قابعاً في خلفية تصريحات الشيخ .. ويقول القيادي الاتحادي علي السيد إن الإسلاميين حاولوا منذ البداية احتلال مكان الطرق الصوفية في المجتمع والسياسة، وحينما فشلوا، رغم ما يعتبره علي السيد تزويراً لانتخابات 1986م قاد لحصولهم على ( 50) مقعداً في الانتخابات، و دبروا انقلاباً للقضاء على ائتلاف الأمة والاتحادي، ويتابع: الطريقة الختمية لم تسع إلى السياسة، بل طلب الحزب منها أن تمد يدها إليه، والتاريخ يقول إن السياسيين حينما تصارعوا داخل مؤتمر الخريجين، قرروا الاستعانة بالطرق الصوفية كي تمدهم بالمال والرجال. هجوم الترابي والمؤتمر الشعبي بين الفينة والفينة على حزب الأمة والإمام الصادق المهدي، وهجومه الأخير على الاتحادي الديمقراطي الأصل ومولانا، يعكس بحسب رأي البعض أمرين، أولهما محاولة الشيخ فرض نوع من الوصاية السياسية على سلوك قوى المعارضة ومواقفها، وثانيهما شعور المؤتمر الشعبي بقدر من الضعف السياسي والعزلة عقب اتصال الحوار بين الوطني من جانب، والاتحادي والأمة من جانب آخر، وعدم نجاح تحالف كاودا في تحقيق تقدم ميداني يمهد لإسقاط النظام عسكرياً أو عبر احتجاجات شعبية. يعترف كمال عمر بأن انتقادات د.الترابي الأخيرة للاتحاديين ليست بعيدة عن تاريخ التنافس والصراع السياسي بين الجانبين، وأن الشيخ كان في ذهنه وهو يتحدث هذا التاريخ من التنافس والصراع، ويتابع: انقلاب 1989م أتى كرد فعل لما وصفه بتعامل الأحزاب الطائفية الضحل، ولم نقبل بأن يدار السودان بهذه الطريقة، ويرى الأمين السياسي للشعبي أن انتقادات حزبه للاتحادي أتت على اعتبار أن قرار المشاركة غير مطلوب في هذه المرحلة، ولم تنجم الانتقادات عن عزلة أو ضعف، فالحزب يمتلك رؤية واضحة للخروج من الأزمة منحته موقفاً مميزاً داخل صفوف المعارضة، ويضيف: المؤتمر الوطني جرجر الاتحادي إلى المشاركة بهدف القضاء عليه وقيادته إلى مصير شبيه بمصير مناوي، أما نحن فسنبقي نتمسك بمبادئنا حتى لو بقينا بمفردنا. اللافت، أن مولانا، الذي عرف بابتعاده عن الإعلام، ناهيك عن المجادلات وحرب التصريحات، ومعه الحزب، وحتى رموز الطائفة الختمية، لم يصدر عنهم حتى الآن ما ينبئ باهتمام يذكر بانتقادات الترابي، ويقول علي السيد إن مولانا على قناعة بأن الترابي هو سبب انقلاب 1989م، ويضيف: لن يغفر له مولانا ذلك أبداً، وربما شعر الترابي بسعادة غامرة حينما أخبره مولانا في القاهرة بأنه لا يقبل المشاركة، لذلك أرى في تصريحات الترابي الأخيرة رد فعل عنيف من جانبه على الماضي والحاضر معاً. ماضي حسن عبد الله الترابي يقول إنه عرّاب الإنقاذ الأول والرجل الذي وقف وراء وصولها إلى السلطة، أما حاضره فيقول إنه بات من أشد خصومها رغبة في الإطاحة بها، رغبة تفسر جزئياً سبب فتح الشيخ نيرانه على مولانا وحزبه وطريقته، فيما تعود الخلفيات الأخرى لهذا الهجوم اللفظي العنيف إلى مرارات صراع سياسي قديم، لا توجد حادثة تاريخية تشهد عليه أفضل من سقوط الترابي بدائرة الصحافة في الانتخابات النيابية عام 1986م، في مواجهة الاتحادي حسن شبو المحامي مرشح تحالف خصوم الترابي الذي لم تسعفه آلاف الأصوات التي نالها في تجنب الهزيمة، أصوات جعلت مرارة تلك الهزيمة غير قابلة للنسيان على الأرجح، سواء دخل مولانا السلطة، أو بقى خارجها..! الراي العام