تحت عنوان «الفريق عبود.. الرئيس الذي ظلمه التاريخ» ذكرت صحيفة «القوات المسلحة» في تقرير طويل نشرت حلقته الأخيرة يوم الاثنين الماضي، ان الاتفاق الذي تم بين ممثلي القوات المسلحة من طرف وممثلي جبهة الهيئات والأحزاب من طرف ثان، بعد انتصار ثورة أكتوبر الشعبية المناهضة للحكومة الوطنية العسكرية الاولى العام 1964م، كان ان يستمر الفريق إبراهيم عبود رأساً للدولة حتى نهاية الفترة الانتقالية في 31/3/1965. ولكن بعد أن تسلمت حكومة ما بعد الثورة برئاسة سر الختم الخليفة، وبالرغم من التعاون والتفاهم الذي وجدته من الرئيس ابراهيم عبود، رأت تحت ضغط من مندوبي الأحزاب إنهاء رئاسة الفريق عبود. وتحت عنوان «نص بيان عبود الأخير» ذكرت الصحيفة في نفس الحلقة الأخيرة من ذلك التقرير أن عبود قال: «ماكنت أظن ان الشعب لا يرغب فينا»، ثم اعلن عن تنازله، وهو بلا شك صادق في قوله: «أرجو ان تثقوا ان رائدي هو خير هذه البلاد، وهدفي تحقيق مصلحتها العامة والحفاظ على استقلالها ووحدتها. وقد كان ما قمت به طيلة السنوات الست الممتدة منذ 1958م حتى 1964م إنما ما هو من وحي هذه الأهداف الحسنة النية في محاولة جادة ومخلصة لإصلاح الأمور بالصورة التي حددتها ظروف تلك الفترة. وادعو الله من قلبي ان يشمل هذا البلد الأمين برعايته وان يحقق أمانيه في حياة حرة كريمة، وإني اذ استودعكم الله مواطني الكرام أدعوكم بالاستقرار والازدهار وأتمنى دوام وحدتكم». وهكذا وكما ذكرنا أمس وأمس الأول فقد انتهى الحكم العسكري الوطني الاول، بعد ان فشل في الوصول الى صيغة تضمن إضفاء المشاركة ذات الطابع المدني في سدة مقاليد السلطة التي خصصت لسيطرة وهيمنة عسكرية منفردة لدى استيلاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة عليها العام 1958م، استجابة لدعوة ورغبة من رئيس الوزراء ووزير الدفاع في الحكومة المدنية المنتخبة آنذاك الزعيم الوطني المرحوم عبدالله خليل. أما ما تبقى من التجربة الثانية للسيطرة العسكرية على سدة مقاليد الحكم والسلطة الوطنية في السودان على النحو الذي تم بانقلاب ثورب عسكري شارك فيه التيار السياسي المدني لليسار الاشتراكي السوداني بقيادة الزعيم الوطني الراحل المرحوم جعفر نميري العام 1969م وامتد لفترة 16 عاماً حتى تمت الاطاحة به بانتفاضة شعبية أخرى العام 1985م، فقد ظل رأى ما تبقى من تلك التجربة هو القوانين المستمدة من الشريعة الاسلامية التي اصدرها الزعيم الوطني الراحل المرحوم جعفر نميري في عامي 83/1984م. حيث رفض المجلس العسكري الانتقالي الذي تلاحم مع الانتفاضة الشعبية في الاطاحة بنظام الحكم العسكري الوطني الثاني في السودان بقيادة الزعيم الوطني المشير عبدالرحمن محمد حسن سوار الذهب، الاستجابة للضغوط الداخلية والخارجية الاقليمية والدولية الشديدة الوطأة والبالغة الحدة التي تعرض لها من اجل حمله وإرغامه على إلغاء القوانين المستمدة من الشريعة الاسلامية والعودة الى العمل بالقوانين الوضعية المستوردة من التجربة الحضارية الغربية السائدة والمهيمنة على النحو الذي كان متبعاً منذ الاستقلال الوطني للسودان العام 1956 وحتى شروع الزعيم الوطني الراحل المرحوم جعفر نميري في الاعلان عن التطبيق التدريجي للقوانين ذات الطابع الاسلامي في سبتمبر 1983م. ومثلما حافظت القوانين المسلحة الوطنية في السودان على العودة الى الاصالة الحضارية للأمة السودانية، عبر الشروع في الاحتكام للقوانين المستمدة من الشريعة الاسلامية وتوفير الحماية اللازمة لذلك وتحمل الضغوط العاتية والمكثفة من الجهات الخارجية والأجنبية المعادية للاستمرار في هذا المسار الحضاري الاصيل. فقد عجزت القوى المدنية والحزبية التي تولت مقاليد الحكم والسلطة عبر انتخابات عامة جرت العام 1986، بعد الاطاحة بنظام الزعيم الوطني الراحل المرحوم جعفر نميري، عجزت عن الاستمرار في الالتزام بالتطبيق لقوانين الشريعة وتأصيلها وتصحيح الأخطاء القاصرة التي يرى بعض العلماء الأجلاء أنما كانت قد اكتنفت تجربة تطبيقها لدى الشروع في ذلك في اطار السياق الدكتاتوري لنظام الزعيم الوطني الراحل المرحوم جعفر نميري. وكما هو معلوم فقد كان ذلك العجز الفشل والقصور والتردي المزري والافتقار للارادة الوطنية الصلبة والصارمة والحاسمة والحازمة والصائبة والقائمة على رؤية ثاقبة وبصيرة نافذة ويقظة متقدة وواعية في فترة الحكم المدني الأخيرة الممتدة من العام 1986م وحتى 1989م هو الدافع الاساسي والعامل الرئيسي الذي انطلقت منه النخبة المدنية والعسكرية الممثلة للحركة الاسلامية الحديثة والمعاصرة لدى اقدامها بالاستيلاء على سدة مقاليد السلطة العام 1989م فهل سينطبق على السيد الرئيس المشير البشير القول اني وان كنت الأخير زمانه لآت بما لم تستطعه الأوائل؟