الأستاذ الجامعي د. حديد الطيب السراج، هو أحد أبناء الشيخ الطيب السراج، تمكن من سلك طريق والده الذي عُرف عنه عشقه للعربية بآدابها وفنونها، فطفق ينقب مثل والده دارساً وباحثاً فيها، درس الإعلام وتخصص فيه كما درس القانون والتاريخ، عرفته المحافل الأدبية وهو يزود المتلقي بما اكتسب من علم ومعرفة، ظل يتحدث عن العربية ويدعو إلى ضرورة الالتفات إليها والاهتمام بها، يدير الآن صالونه الأدبي بمنزله، وهو نفس صالون الشيخ الطيب وأخيه الأكبر فراج الطيب، والذي يمثل ملتقى فكري وإبداعي لأهل الثقافة والإبداع. التقته (نجوع) بمكتبه بجامعة القرآن الكريم وأدارت معه الحديث التالي: ٭ بداية نود لو نعرف د. حديد الطيب السراج عن قرب؟ سليل أسرة الشيخ الطيب السراج، تخصصت في تخصصات عديدة في مقدمتها الإعلام، حيث درست في جامعة القاهرة، تخصصت في الأخبار في المركز العربي التابع لجامعة الدول العربية في دمشق، وتخطيط في البكالريوس في نيروبي، ودرست أيضاً التاريخ بكلية الآداب جامعة النيلين وكذلك الشريعة والقانون بجامعة أم درمان الإسلامية، ودرست (فن التفاوض) في أكاديمية السودان للعلوم الإدارية. الآن نائب رئيس الاتحاد القومي للأدباء والكُتاب السودانيين، ورئيس اتحاد الأدباء السودانيين، عضو مجلس هيئة علماء السودان عضو دائرة الأديان واللغات المركز العالمي لأبحاث الإيمان نائب رئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية مكتب السودان. كنت مديراً للتلفزيون القومي 1988م 1989م، مدير الهيئة القومية للإذاعة 1994م، وعملت مديراً عاماً لأكاديمية علوم الاتصال، المدير العام للمركز القومي للتدريب الإعلامي، عضو مجلس وكالة السودان للأنباء، عملت نائباً للأمين العام لوزارة الثقافة والإعلام. ثم تفرغت أخيراً لجامعة القرآن الكريم رئيساً لقسم الإذاعة والتلفزيون وعميداً لكلية الدعوة والإعلام. ٭ ماذا عن صالون الطيب السراج.. هل ما زال ممتداً؟ صالون شيخ الطيب السراج بدأ من مدينة عطبرة حينما كان في العشرين من عمره ثم انتقل إلى أم درمان، واستمر صالون الشيخ الطيب طيلة حياته حتى وفاته في مارس 1963م. ثم تولى شأنه ابنه الأكبر فراج الطيب السراج والذي امتد حتى وفاته في أكتوبر 1998م، ومن ثم توليته أنا منذ ذلك الوقت وإلى الآن. ٭ وهل ما زال يتمتع بنفس ألقه القديم؟ تغيرت الظروف ووقت الناس أصبح ضيقاً ليس كسابقه وقد كان أخي فراج لديه اهتمامات أخرى وقد حصلت تغيرات عديدة إلا أن الاهتمام باللغة العربية هو قاسم مشترك لكل مرحلة. ٭ كانت لديك تجربة إذاعية كيف بدأتها؟ كانت أولى محطاتي الإذاعية هي اشتراكي في العمل الدرامي (صور من تاريخ السودان) وهو برنامج إذاعي من إعدادي شاركت فيه بالتمثيل. ٭ الشيخ الطيب السراج كان محاسباً لكنه برز في العربية كيف تم ذلك؟ الطيب السراج كان محاسباً ومترجماً للغة الإنجليزية في فترة الحكم البريطاني إلا انه كان يعشق اللغة العربية ويفاخر بها بل يدعو للتمسك بها ويدافع عن العروبة، وتمكن بفضل حبه لها من تدعيم إمكاناته بالبحث والتنقيب فيها، وكان أول من مثل السودان في مجمع اللغة العربية في القاهرة وله اهتمامات معروفة بعلوم اللغة العربية. ٭ وأنت تهتم بالكتابة واللغة العربية ماذا قدمت من إنتاج كتابي؟ تمت طباعة أربعة كتب عن الطيب السراج أول كتاب (الطيب السراج لمحات من حياته وشعره) (الشاعر الطيب السراج) (أدب الرسائل عند السراج) (شاعران من وادي النيل الطيب السراج وعباس العقاد) ولدي أربعة عشر كتاباً تمت طباعتها وبمعيتي عدد من الكتب تحت الطبع منها خمسة كتب عن الإعلام (التخطيط والإنتاج في التلفزيون) (الإعلام الإذاعي ودوره في الفن القومي في السودان) (إنتاج البرامج الخاصة في اللغة العربية) وأيضاً كتب (النص القرآني بيان وإعجاز)، و(المترادفات في اللغة العربية) إجازة مجمع اللغة العربية وطبعه المجمع. ثم كتبت عن شخصيات من ضمنها خمس حلقات عن والدي الشيخ الطيب السراج رحمه الله، وفي مجلة الإذاعة والتلفزيون في السبعينيات كتبت (شعراء من السودان) تناولت فيه التيجاني يوسف بشير عبد الله الطيب محمد المهدي المجذوب محمد أحمد المحجوب والهادي آدم. ٭ وماذا عن الشعر؟ لدي اثنين من الدواوين الشعرية (القرطاس) والآخر (المجهول والشتاء) كتبتهما بالفصحى. ٭ أتعني أنك لا تكتب بالعامية؟ كتبت أيضاً بالعامية وكنت قد أجريت بحثاً في العامية السودانيّة دراسة تأصيلية في مجمع اللغة العربية وأجريت بحثاً آخر أسميته (عاميتنا الفصحى). ٭ كيف تشرح هذا المسمى؟ أعني أن عاميتنا هي أقرب العاميات إلى اللغة الفصحى بل توجد كلمات عامية إلا أنها فصيحة. ومن أين اكتسبنا ذلك؟ نسبة لهجرة العديد من الناس من الجزيرة العربية إلى أراضينا، وبالتالي تشبه الجزيرة العربية بيئتنا السودانية. إلا أننا أصبحنا نعاني من ضعف واضح في مناهج التعليم بصفة عامة، وفي زماننا لم يكن الوضع هكذا واليوم نرى أن كثيراً من الناس انصرفوا عن اللغة العربية إلى لغات أجنبية. ٭ ماهي أنواع الكتب التي تضمها مكتبتك الخاصة؟ مكتبتي تضم كل أنواع المعرفة من بينها كتب التفسير الحديث الأدب المعاجم التاريخ الإعلام، وكتب الفلسفة ودراسات في التصوف والفقه وكل العلوم العربية نحوا وصرفا وعروض وما إلى ذلك، إضافة لكتب بالإنجليزية. ٭ كأن الناس انصرفوا عن الكتاب بفضل وسائل الاتصال الأخرى؟ لا بديل للكتاب على الإطلاق ووسائل الاتصال جميعها إنما هي إضافات ليس إلا لكن يجب ألا تصرفنا عن القراءة والاطلاع من الكتاب. في ظل تعدد مهامك.. هل تجد وقتاً للقراءة؟ أحب القراءة وكل وقت فراغ لدي أخصصه للقراءة. ٭ أتوجد لديك كتب نادرة؟ (تفسير ابن عباس ديوان شعر للإمام الشافعي ومجموعة العروة الوثقى) اعتبرها من الكتب النادرة التي ما زلت أحتفظ بها. ٭ كيف تصف لنا حال العربية اليوم؟ حال العربية اليوم يغني عن السؤال فهي تعاني ما تعاني من الضعف والهزال وإهمال الجهات المعنية من وزارات الثقافة ووزارة التعليم ويظهر ذلك في ركاكة ما يُكتب وما يأتي في وسائل الإعلام بصفة عامة عدا القليل. في السودان قديماً كان السياسيون يجيدون الحديث بالعربية بطلاقة إلا أن اليوم اختلف الأمر وتدهور وهذا كله مرده إلى عدم التثقيف. وأوصى بضرورة قراءة كتب التراث، ولأن العربية لغة مقدسة كلما ضعفت العربية ابتعد الناس عن القرآن والسنة، وكثير من الطوائف الجديدة برزت بعضها لعدم فهم آيات القرآن، فالإعجاز هو البيان. ٭ تحدثت مسبقاً عن علاقة متينة كانت تربط بين الشيخ السراج والعقاد.. ماهو وجه الشبه بينهما؟ هما شاعران مجتهدان لأنهما لم ينالا من التعليم النظامي إلا القليل، وبرعا في إجادة اللغتين العربية والإنجليزية إضافة إلى أن علمهما أصبح مجدداً وغير تقليدي وذلك يرجع إلى المامهما بالثقافة الغربية والاطلاع عليها، وللطيب السراج قصيدة تدعو للتجدد. ٭ المهرجانات الثقافية خفت صوتها.. ماذا يترتب على ذلك؟ انعدمت تماماً مهرجانات الثقافة وهذا أمر مؤسف حيث كان لهذه المهرجانات أثرها العظيم في ترقية الذوق العام وتحفيز وتشجيع المبدعين على امتداد عطائهم، ومع غيابها غابت ملامح الإبداع الرصينة. كما أن الندوات الثقافية غير كافية لإيصال المادة الإبداعية، وهي نفسها تعاني من مشكلات عديدة حيث إنها تحتاج لجهد مادي ودعم متواصل. ويؤسفني تردي مستوى الأداء الثقافي بصفة عامة كما أن واقع العمل الثقافي والإعلامي غير مرضٍ. ونتمنى أن تلتفت الدولة لضرورة إحياء الثقافة فهي تعمل ما عجزت عنه السياسة.