تابعنا خلال الاسبوع الماضى تفاصيل الصلح الذى تم بين بطون المسيرية الزيود واولاد عمران، وكيف ذرفت القيادات الاهلية الدموع وتشابكت الايدى فى حضور نائب الرئيس حسبو عبد الرحمن ووزير ديوان الحكم الاتحادى الدكتور فرح مصطفى ووالى الولاية اللواء احمد خميس. لقد كان كرنفال الاحتفال بختام مؤتمر النهود للصلح بين اولاد عمران والزيود تعبيراً حقيقياً عن رغبة المواطنين فى تلكم المناطق فى التعايش السلمى، ونبذ العنف المفروض عليهم بتدابير قوة خفية تتحرك فى الظلام كيفما تشاء لزرع الفتن وتمزيق النسيج الاجتماعى والترسيخ للكراهية بين بطون القبيلة الواحدة فى سفاسف امور لا ترتقى لحجم الضررالذى وقع فى الارواح والممتلكات ولا تضاهيه، ليظل السؤال الذى يدور فى اذهان الناس حول ماهية المصلحة والغرض من افتعال مثل هذه الصراعات فى ولاية شديدة الحساسية من اي اختلال فى الامن ربما يكون ذريعة لعرقلة النشاط الاقتصادى والإستراتيجى الضخم الذى تضمه اراضيها، والمتمثل فى استثمارات البترول وحماية الشركات الاجنبية العاملة فيه التى تعكس صورة السودان فى الخارج، الى جانب دورها فى حماية خطوط انبوب النفط ومساراته ومراقبة الحدود الطويلة والمفتوحة مع الجنوب، واشواق اهل الولاية وطموحهم اللامحدود فى الاستقرار والتنمية الخدمية.. كل هذه تجعل التحديات التى تواجه حكومة الولاية بزعامة اللواء احمد خميس كبيرة وعظيمة، وتحتاج ليس لتضافر جهود فحسب بل تحتاج لاصطفاف قيادات الولاية قبل غيرهم فى مقدمة الصف، ولهذا تأسفت جداً لمحاولة عرقلة الصلح وتشويهه، على الرغم من انه خرج بصورة رائعة اكدت عزم الرجال فى تجاوز المحن والصغائر ونبذ القبلية النتنة، والتعاون مع حكومة الولاية لتنفيذ برنامج التأسيس بأعمدة متينة تمكن جمهور الولاية من اللحاق ببقية الولايات التى قطعت أشواطاً بعيدة فى النهضة، غير أن الرهان يبقى فى وجود عناصر واعية ومدركة لما يدور حولها، وقادرة على اعادة الامور إلى نصابها مع عدم التفريط، بحيث لا يخرج الصلح وينزلق من مساره، بمعنى ان الذين سعوا اليه قادرون على حمايته وامتصاص أية محاولة لعرقلته وهدمه. والحقائق التى نقلها الذين شهدوا الصلح والذين زارو الولاية فى الآونة الاخيرة، تؤكد ان الاوضاع على الارض تغيرت تماماً للأحسن، وان الاستقرار اصبح هو الطابع الذى يميز الحياة فى الفولة وبابنوسة والاضية والنهود والمدن الاخرى، وان اتجاهات المواطنين فى كسب الرزق وتطلعاتهم فى الحصول على لقمة العيش تغيرت تماماً، واختفت الى حد كبير ظواهر النهب فى الطرقات والمظاهر المسلحة.. كل هذه ميزات تخدم فرص التحكم فى توجيه التنمية بصورة مميزة وجذب رؤوس الأموال للدخول فى مشروعات عملاقة تستوعب طاقات الشباب بغرب كردفان.. الشباب هناك الذين عانوا من الحرب ومن رهق المشاحنات بين الزعامات السياسية والتنافس المكتوم والجهير فى اللاشيء.. شباب كاد يضيع وتبتلعه معاناة الحياة التى استحكمت حلقاتها بسبب انعكاسات الاوضاع الاقتصادية عليهم مصحوبة بظروف الحرب وعدم الاستقرار الذى دفعوا ثمنه تخلفاً عن الكسب المعرفى والعلمى.. وما الخطوة الأخيرة وهي الحديث الذى سمعنا عنه بدخول رجال اعمال كبار فى استثمارات عملاقة فى غرب كردفان مع بدايات مطلع العام القادم، الا تأكيد على الاستقرار الذى سعت اليه حكومة اللواء احمد خميس، وعززته بخطط وقرارات صائبة فى الآونة الاخيرة.. واذا نجحت حكومة اللواء فى تحقيق الاستقرار فقط حتى باستخدام الطوارئ فى ولاية مثل غرب كردفان لكفاها، فهناك جهات عديدة لا تريدها ان تستقر لخدمة اجندة الحركات المسلحة الدارفورية وارتباطاتها بحكومة الجنوب من جهة والمعارضة الجنوبية التى يقودها رياك مشار نائب الرئيس المنشق عن الرئاسة فى جوبا من جهة أخرى، وغيرها من الاجندة التى تخدم اهداف دول لها رؤيتها فى المنطقة، وترى ان غرب كردفان ولاية ذات اهمية استراتيجية قصوى بالنسبة لتمرير مخططاتها.. كل هذه وغيرها تستوجب وجود رجل مثل اللواء خميس لا تعوزه الخبرة العسكرية والاستخباراتية المدعومة بالبعد السياسي، ومشوار الأف ميل يبدأ بخطوة صحيحة وسليمة. ولتبق التصالحات بين القبائل فى سياق الخطوة السليمة للانطلاق طالما ان الحكومة ادركت كما ذكر نائب الرئيس حسبو عبد الرحمن فى النهود ان الصراعات القبلية اخطر على الاستقرار من الحركات المسلحة، ولذلك فإن على رئاسة الجمهورية ان تدعم آلية صلح النهود لتوفر مناخ النجاح بالكامل لمخرجات المؤتمر الذى هو بداية انفتاح كبير لتصافى النفوس وانطلاقة نحو البناء.