التحدي الذي يواجه المجتمع الدولي يتمثل في كيفية مواجهة هذه الأزمات، وتحديداً في إيجاد نظام استجابة مقبول للرد والتعامل مع النزاعات المسلحة، وقد عرف العالم نظام «حفظ السلام» الذي برز في بداية الخمسينيات كبديل لنظام «فرض السلام» الذي تضمنه ميثاق الأممالمتحدة فقد نصت المادة «السابعة» من الميثاق على مبدأ اجتماع دول العالم لمواجهة أي وضع يقرر مجلس الأمن الدولي أنه يشكل تهديداً للسلام العالمي، إلا أن هذا النظام تعطل بسبب تنازع المصالح بين المعسكرين الرأسمالي والشيوعي خلال فترة الحرب الباردة، ولم ينتقل إلى حيز التطبيق قبل عام1990م إلا في فترة الحرب الكورية «1950م 1953م» عندما تغيب الإتحاد السوفيتي عن اجتماعات مجلس الأمن احتجاجاً على احتلال تايون لمقعد الصين الدائم في المجلس، فانتهزت الولاياتالمتحدة وحليفاتها الفرصة لتمرير ثلاثة قرارات هامة «82 83 84 » تفوض أمريكا تنظيم الكوماند لقوات دولية شاركت فيها حوالى عشرين دولة، وقامت بإجلاء قوات كيم أيل سونغ من سيول، وردتها إلى خط العرض 36 الذي يفصل بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، وقد دفع جمود النظام الذي تضمنه ميثاق الأمين العام للأمم المتحدة داك همرشولد والستربيرسون رئيس الوزراء الكندي إلى ابتداع نظام «حفظ السلام» الذي يهدف إلى تشكيل قوات متعددة الجنسيات للفصل بين الأطراف المتقاتلة، ويسمح لهذه القوات بحمل أسلحة خفيفة لا تستخدم إلا في حالة الدفاع عن النفس، ويعتمد نظام «حفظ السلام» على مبدأين أساسيين هما الحياد وموافقة الدولة المضيفة، وعادة ما يأتي تشكيل هذه القوات بإرسالها إلى موقع النزاع كبند أساسي في اتفاقية سلام توقع من قبل المتنازعين، وقد شهد هذا النظام تطوراً كبيراً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عبر ثلاث مراحل هامة، ويمكن أن يرمز للجيل الأولي من عمليات «حفظ السلام «بيونيف 1» و«يونيف 2» بين مصر وإسرائيل، وقوات الأممالمتحدة في قبرص و«أنوك» في الكنغو وبصفة عامة التزمت هذه العمليات مبادئ حفظ السلام المتعارف عليها باستثناء استخدام القوة في غير حالة الدفاع عن النفس في الكنغو، وذلك في مواجهة قوات تشومبي الانفصالية في كاتنغا، ويرمز للجيل الثاني من عمليات «حفظ السلام» بقوات المراقبة في نامبيا، وفي أفغانستان عقب انسحاب الجيش الآمر، وبقوات الفصل بين العراق وإيران بعد وقف إطلاق النار بين البلدين، ورغم تقيد هذه العمليات بشكل عام بالمحددات التقليدية لقوات تنفيذ الاتفاق، فقد أعطت سلطات أوسع تسمح لها باستخدام قدراتها لضمان حفظ السلام. شهدت فترة التسعينيات ميلاد جيل ثالث جديد من العمليات تختلف ملامحه كثيراً عن قوات المراقبة في السابق، وقد كان للأحداث الكبيرة التي وقعت في بداية تلك الفترة دوراً كبيراً في تحقيق هذا الانتقال، حيث دفع حل الإتحاد السوفيتي وسقوط سور برلين، وحرب الخليج الكثير من الدول الغربية للاعتقاد بإمكانية لعب دورٍ أكثر فاعلية في فض النزاعات الداخلية والإقليمية وذلك بالتدخل عسكرياً تحت مظلة الأممالمتحدة لحفظ السلام، وفرضه بالقوة إذا لزم الأمر، وقد تم التعبير عن هذا الاعتقاد المتفائل في حديث الرئيس الأمريكي جورج بوش للكونجرس في سبتمبر عام1990م والذي بشر فيه بميلاد نظام عالمي جديد، وتم التعبير عنه كذلك في إعلان الدول العظمى السبع في لندن عام 1991م، وتمت ترجمته إلى خطة عمل في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بطرس غالي الذي قدمه لمجلس الأمن عام 1992م، والتحول الهام الذي اعتمده بطرس غالي ينص على أن مبدأ احترام سيادة الدول ينبغي ألا يقف عائقاً أمام التدخل الدولي لحماية المدنيين، وتوصيل الغذاء للمتضررين في مناطق النزاعات المسلحة، وفقاً لهذا التصور يجوز استخدام القوة ضد أحد طرفي النزاع إذا حدد مجلس الأمن أنه الطرف المتعدي، مثلما حدث في الصومال عندما قامت القوات الدولية بقيادة الولاياتالمتحدة بضرب مواقع عيديد في مقديشو بناءً على قرار صادر من مجلس الأمن. (وللمقال بقية لاستيعاب الدرس).