في إفادة لافتة أدلى بها لمجلس الولايات، أثناء الفترة الأخيرة السابقة لصعوده إلى منصبه الحالي، ذكر الفريق أول بكري حسن صالح أنهم، في القيادة العليا للدولة والقوات الوطنية المسلحة التابعة والداعمة لها، لو كانوا يعلمون أن اتفاقية نيفاشا المبرمة لدى اكتمالها بعد مفاوضات ماراثونية شائكة وصعبة ومعقدة مع الحركة الشعبية عام 2005م سينتج عنها في خاتمة المطاف ونهاية الطواف ما أدت وأفضت إليه، من انفصال لجنوب السودان عن الشمال على النحو الذي جرى الإقرار به عام 2011م، لما كانوا سيقبلون بالموافقة عليها! وبينما قد يرى البعض، وقد يكون لديهم حق، أن مثل هذه الإفادة المهمة وذات المغزى والدلالة المتأخرة قد أضحت بلا معنى، وقد ينطبق عليها وصفها بأنها بمثابة البكاء على اللبن المسكوب أو المدلوق، بعد أن حدث ما حدث وجرى ما جرى نتيجة لما نجم عن هذه الاتفاقية بشأن الإقرار لانفصال الجنوب عن الشمال، إضافة إلى الآثار السالبة الأخرى، التي ليس أقلها ما يجري حتى الوقت الحالي، فيما يتعلق بالمسعى المتعذر والمتعثر الرامي للوصول إلى ترتيب نهائي للأوضاع في جبال النوبة وجبال الأنقسنا بالنيل الأزرق وجنوب كردفان، المشمولتين في بروتوكول منفصل خاص بهما ومخصص لهما جرى الاستدراج لإدراجها ضمن اتفاقية نيفاشا بدعوى أنها كانت هادفة لإرساء قواعد راسخة وداعمة للمحافظة على الوحدة الوطنية والحضارية للسودان متواصلة ومستمرة وشاملة لكل الأنحاء والأرجاء حتى ولو كان ذلك في الحد الأدنى للمحافظة على ما يسمى شعرة معاوية بين الجنوب والشمال. بينما قد يرى البعض مثل هذه الرؤية التي يعتنقونها ويعتقدونها، ويقتنعون ويؤمنون بها، ويستندون ويرتكزون عليها، وينطلقون منها في الإصرار على إصدار الأحكام التي ترى أن السلطة الحاكمة القائمة والراهنة قد ارتكبت أخطاء فادحة وساحقة ومهلكة ومدمرة من الناحية الوطنية الإستراتيجية والحضارية لدى قبولها بالموافقة على إبرام ما يسمى اتفاقية نيفاشا للسلام الشامل في السودان والإذعان لها باستجابة واضحة على مستوى القيادة العليا للدولة والقوات الوطنية المسلحة التابعة والداعمة لها كركيزة أساسية ومحورية وجوهرية ورئيسة لا غنى عنها ولا سبيل بدونها ولا مناص منها ولا بديل لها.. إلا أن الذي ربما قد يشفع لمن يرى أن مثل هذه الاستجابة المذعنة والراضخة في القبول بالموافقة على اتفاقية نيفاشا، إنما كانت بمثابة مراهنة على أنها قد تكون فرصة أخيرة ومتأخرة جاءت سانحة ومهيأة للعمل على بذل جهود متفانية ومتمادية ومتضافرة ومتلاحمة على كل الأصعدة الوطنية والحضارية المعبرة عن السلطة الحاكمة والممثلة للمعارضة في سبيل المحافظة على الوحدة الوطنية السودانية وجعلها راسخة وصامدة وثابتة وقادرة على البقاء والنماء حتى ولو اقتضى ذلك أن تكون في حدها الأدنى المماثل لما يسمى شعرة معاوية في تعبيرها عن هذا المعنى للحكمة الكامنة فيها والخبرة العميقة والعريقة في طابعها الإنساني والحضاري فيما يتعلق بالعلاقة التي سعت لإرسائها في جانبها المتصل بالخصوصية والخاصية المختلفة عندما يتعلق الأمر بالطبيعة الخاصة لكل من شمال وجنوب السودان، إضافة إلى ما جاء فيها بشأن اشتمالها على خصوصية أخرى لجبال النوبة وجبال الأنقسنا في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وذلك كله في سياق العمل على المساعدة الدافعة والرافعة والمسعفة للمحافظة على الوحدة الوطنية والحضارية لكل الأنحاء والأرجاء في السودان. بيد أن الذي يؤكد أن القيادة العليا للدولة والسلطة الحاكمة الراهنة والقائمة والقوات الوطنية المسلحة التابعة والداعمة لها كانت حريصة على العمل المتمادي والمتفاني من أجل المحافظة على الوحدة الوطنية والحضارية السودانية عندما قبلت بالموافقة على اتفاقية نيفاشا للسلام الشامل، وذلك كما يفهم من الإفادة المهمة وذات المغزى والدلالة المشار إليها والتي أدلى بها الفريق أول بكري حسن صالح، إنما يتمثل في أن البروتوكول المعني بالترتيبات الأمنية قد اشتمل على الاستجابة والموافقة على القبول بإنشاء وحدات عسكرية مشتركة ومدمجة يتم تكوينها وتدريبها وتشكيلها من القوات الوطنية المسلحة التابعة للدولة المركزية الموحدة والداعمة لها، إضافة لقوات شعبية تابعة للحركة التي كانت متمردة، وذلك في سبيل العمل من أجل أن تصبح بمثابة نواة لوحدة وطنية جديدة للقوات المسلحة السودانية في المستقبل الذي كان يوجد أمل يرجى فيه ويُبنى على التعامل مع اتفاقية نيفاشا على أنها كانت هادفة ودافعة للمحافظة على الوحدة الوطنية والحضارية للدولة السودانية.. وهذا هو الأمر الذي لم يتحقق بالطبع، لكنه لم يقطع الأمل كما قد يرى البعض في سياق النظر لما جرى باعتباره مجرد طلقة غير بائنة وقابلة للمراجعة.