خمسة وثلاثون يوماً تقريباً تفصل الحوار الوطني عن إكمال عامه الأول منذ إعلان الرئيس صافرة انطلاقه في نهاية يناير الماضي، وتواثق حوالي 83 حزباً عليه. وقد خلق الحوار حالة من الحراك السياسي غير المسبوق برغم تباين الآراء ما بين مؤيد ورافض له، ومنذ ذلك التاريخ شهدت الساحة السياسية حراكاً متواصلاً بلقاء الرئيس البشير مع أحزاب الحوار وانتهاءً بتكوين آلية(7+7). وكان من المقرر أن يطلق الحوار الوطني صافرته بعد الاجتماع الأول للجمعية العمومية برئاسة الرئيس البشير مع آلية «7+7» وإجازة تقريرها واعتمادها كخارطة طريق، إضافة الى اعتماد وثيقة أديس أبابا التي تمهد للحوار مع الحركات المسلحة. فضلاً عن أن خارطة الطريق حددت مطلوبات الحوار في إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين وكفالة الحريات السياسية والتأمين الكامل على حرية التعبير والنشر، بجانب وضع الضمانات اللازمة لحملة السلاح للانخراط في الحوار مع وقف شامل لإطلاق النار، على ألا تتجاوز فترة الثلاثة أشهر. غير أن خارطة الطريق التي توصلت إليها الآلية وغيرها من الأطروحات التي علقت عليها الأحزاب رؤاها ظلت حبراً على ورق حتى الآن. وبحسب مراقبين إن السلحفائية التي سارت بها المبادرة أسهمت الى حد كبير في تأزم الأوضاع السياسية في البلاد، حيث اصطدمت المبادرة منذ إعلانها بمجموعة من الأزمات كادت تعصف بها وتمثل ذلك في سلسلة الاعتقالات التي نفذها جهاز الأمن في حق عدد من القيادات والرموز السياسية، أشهرها اعتقال إبراهيم الشيخ والإمام الصادق المهدي وخروجه من البلاد غاضباً وتوقيعه وثيقة باريس مع الثورية التي لم تجد ترحيباً من الوطني. وكان لتلك الحادثة الأثر الواضح في تعطيل مسيرة الحوار الوطني الأمر الذي عكس أن المناخ العام للحوار الوطني لا يزال يشوبه شيء من الضبابية في ظل انعدام الحريات التي تعد من أهم متطلبات المرحلة، وكان رئيس حركة الإصلاح الآن غازي صلاح الدين سمى ست عقبات تهدد سير الحوار شملت مفهوم وغايات الحوار، الواجب الحيادي لرئيس الجمهورية، شمول الحوار، إجراءات الثقة، الحكومة الانتقالية، وضمانات تنفيذ الاتفاق، وقال غازي إن الحوار لم يكتسب بعد قوة دفع ذاتية تحرره للانطلاق نحو غاياته حيث لا تزال هناك العديد من العثرات، ولوح الإصلاح الآن مؤخراً بنيته مغادرة محطة الحوار في حال لم تسفر اجتماعات آلية في اجتماعها المقرر له الأحد، وقال رزق إن الحركة غير مستعدة للاستمرار في العملية التحضيرية دون نتائج واضحة، وزاد بالقول لن ندخل في الحوار ما لم ينفذ ما تم الاتفاق عليه في خارطة الطريق. وشكلت قضية الحركات المسلحة وكيفية إقناعها باللحاق بركب الحوار أحد أهم التحديات التي صاحبت مسيرة الحوار، وكانت أحزاب المعارضة المشاركة في الحوار قد شكلت لجنة للاتصال بالحركات المسلحة والقوى السياسية الرافضة للحوار، لإقناعهم بضرورة الجلوس الى مائدة الحوار لإثناء الوطني عن الانتخابات والقبول بتكوين حكومة انتقالية أو مؤقتة مع ضروة توفير ضمانات. لجهة أن الضمانات المطروحة من قبل الوطني والتنازلات التي قدمها لا تزال دون الطموح خاصة للأحزاب اليسارية التي تطالب بضرورة تنحي البشير من الحكم، ومن ثم يمكنهم الجلوس للحوار، وكشفت اجتماعات للمعارضة عن تحركات مكثفة لإقناع المتمردين بالقبول بالحوار مع توفير الضمانات الكافية، ورغم إعلان آلالية موافقة عدد من الحركات المسلحة والقوى المتحفظة على الحوار للجلوس مع الآلية للدخول معها في تفاهمات لدفع عملية الحوار، إلا أن الحركات تعنتت واشترطت أن يكون التفاوض تحت إشراف وساطة دولية إفريقية كانت أو قطرية للوصول إلى اتفاق إطاري للحوار الوطني. ومن أكبر العثرات التي صاحبت مسيرة الحوار عدم موافقة الوطني على حكومة انتقالية وعدم قبول الوطني مقترح تأجيل الانتخابات لفترة سنة أو سنتين بغرض التوافق على دستور دائم يعرض على البرلمان، وإصراره على وقف دائم لإطلاق النار مع الحركات المسلحة، إضافة إلى أن حرية التعبير والنشر بصورة عامة ظلت تشكل تحدياً كبيراً فظلت قضية جعل القضاء هو الجهة المختصة بالفصل في قضايا التعبير والنشر من الصعوبة بمكان، فالحكومة تخشى حرية التعبير برغم إعلانها إطلاق الحريات إلا أن بعض الصحف تعرضت للإيقاف والحجب، ويرى المحلل السياسي د. الفاتح محجوب في حديثه ل«الإنتباهة»، أن الإشكالية الكبرى التي وقع فيها مشروع الحوار الوطني هي غياب فكرة تكوين إجماع وطني حول قضايا الوطن الكبرى، ومن ثم تنزيلها على شكل حكومة انتقالية أو مؤقتة، مشيراً الى قضية تأجيل الانتخابات وانضمام الحركات المسلحة للحوار، موضحاً أن ثمة ضوءاً في النفق يتمثل في اتفاق وشيك بموافقة بعض الحركات على اللحاق بركب الحوار، وتوقع الفاتح أن تسفر نتائج الحوار عن دولة المواطنة، وأن تقدم الحكومة ضمانات نوعية للمنتمين لمناطق النزاعات، بإعطائهم تمييزاً في محاولة لإحداث الإجماع الذي نادى به الرئيس خلال الحوار الوطني، كشرط لبناء المؤسسات، ولكنه عاد وقال توجد طريقة أخرى قد يلجأ الوطني في ظل التعثر الواضح من خروج لحزب الأمة ووجود معارضة من تحالف قوى المعارضة، قد يلجأ الوطني إلى بناء دولة المؤسسات وهي التي كان من المتوقع أن تتمخض عن الحوار الوطني، وهي تجعل من الصعوبة بمكان رفض الانتخابات، وقال إن عدم حدوث إجماع وبناء مؤسسات يجعل من المستحيل قيام الانتخابات في موعدها. ورجح الفاتح أن تشهد الفترة القادمة حدوث إجماع أو شبه إجماع على كيفية بناء المؤسسات، وقيام حكومة انتقالية أو مؤقتة لأن هذا يشكل جوهر الحوار.