- هذه الرسالة، والتي بعث بها إلينا الأخ /مهندس طبي/ إبراهيم حسين، تناقش أمراً جوهرياً في الحقل الطبي السوداني، هممنا من قبل بالحديث فيه، غير أن الحديث في قضايا الأجهزة الطبية حين يأتي من رجُلٍ مختصٍّ، هُو قطعاً من «أهل الذكر» الذين ينبغي سؤالهم والاستماع إليهم في هذا المجال، يكونُ أولى بالنشر مما يخطُرُ لنا مهما كان موضوعياً، فإلى رسالة الأخ المهندس إبراهيم: - أصبح من البدهي أن التكنولوجيا الطبية هي من ضروريات التطبيب وضمن حلقة العلاج لا يقلُّ دورها عن الطبيب المعالج البتة، فإذا كنا نريد فعلاً توطيناً للعلاج بالداخل علينا أن نعتني بتلك الأجهزة الطبية كاهتمامنا بالأطباء والتقنيين وممتهني المجال الطبي على حدٍ سواء فبدونها ليس هنالك تشخيص ولا علاج صحيح كما الطبيب. ليت الدولة تولي الأجهزة الطبية اهتماماً، بدءاً من غرض استيرادها، ثم الشركة المصنِّعة لها وشهادات الجودة والاعتماد لديها مروراً باستيرادها والشركة الموردة وكفاءتها الفنية والمادية ثم تركيبها وتشغيلها ومتابعتها إلى أن تُعفى من الخدمة، ففي الدول المتقدمة إن كنت تبحث عن علاج تجده ليس فقط لنجابة أطبائهم وتقنييهم، فعندنا من الأطباء من هم أكفأ من أولئك ولكن! لأنهم يهتمون بأجهزتهم أكثر منا، الشيء الملاحظ أن معظم الأجهزة الموجودة في مستشفياتنا إن لم يكن كلها موجودة في كثير من المستشفيات في الدول المتقدمة لنفس الشركات المصنعة وأحيانًا نفس الموديلات ولكن أجهزتنا لا تعطي نفس النتائج!! هل تمردت؟!! فعلا ً هي تمردت وخرجت عن بيت الطاعة لعدم اهتمامنا بها فلها من الحقوق ما هي مهضومة كالصيانة الوقائية وتهيئة البيئة الفيزيائية والتشغيلية لها وعمل ضبط الجودة والمعايرة كل حسب جدولة الشركة المصنعة والتدرب عليها جيداً وتوفير مستحقات تشغيلها واستمراريتها لإعطاء النتائج الحقيقية المطلوبة كما حددتها الشركة المصنعة وكما نريدها نحن. - نسمع أحياناً كثيرة بأخطاء طبية مريرة تفجع لها القلوب ويقيني أنها ليست من الطبيب كلها ولا من الذين هم ضمن حلقة التطبيب إنها من تلك الأجهزة التي جلبناها لشفائنا فأصبحت هي معاول قبورنا. - ولكي تهتم الدولة بالجهاز الطبي فهي لا بد في المقام الأول أن تهتم بالمهندس الطبي بالتدريب والتأهيل وإرغام كل مستشفى أن يكون ضمن كوادره مهندسون طبيون فهم أكثر درايةً بأجهزتهم ومعرفة بفاعليتها من عدمها فبتدريبهم جيداً نقود مرضانا إلى بر العلاج في إطار الحلقة العلاجية المكتملة. ثم لماذا لا تأخذ الدولة طلاب الهندسة الطبية في السنة الأخيرة من التخرج في جولة داخل مستشفيات البلاد وترسلهم إلى الولايات والمدن البعيدة كما تفعل مع طلاب كلية الطب والمختبرات فكلهم حلقات متكاملة، فيمكن للمستشفيات الولائية الاستفادة من زيارة المهندسين في معرفة فاعلية الأجهزة وحصرها وتصحيح الأعطال فيها ومعرفة الحاجة من الأجهزة وقطع الغيار ويستفيد المتخرج من التدرب ونقل التجربة وخلق علاقات عمل يمكن الاستفادة منها بعد التخرج. - إن لم يكن هنالك مهندس أجهزة طبية في كل مستشفى عام أو خاص فهنالك خلل في المنظومة العلاجية فهو بدوره المسؤول عن الجهاز وليس غيره. - أستغرب جداً شكوى كثير من المواطنين بعض الأطباء، نتيجة أخطائهم الطبية، لدى الجهات العدلية والمجلس الطبي فترسل محققيها لتلك المستشفيات وهؤلاء الأطباء داخل المستشفى وفي النهاية ترجع اللجنة وقد رفعت تقريرها ضد مجهول!!، الجدير بالذكر أن المهندس الطبي يجب أن يكون ضمن كوادر المستشفى منذ اللحظة الأولى مشاركاً في تصميم خرط مباني المستشفيات بكل التفاصيل الدقيقة إلى مرحلة شراء الأجهزة الطبية وتركيبها وتشغيلها ومتابعتها حتى إعفائها من الخدمة والتخلص منها، بعد كل هذا تجد بعض مستشفياتنا لا يوجد بها مهندسون طبيون بالذات الخاص منها!!. - فإذا ألزمت الدولة كل المستشفيات بأن يكون المهندس الطبي ضمن كوادرها تكون قد فعلت خيراً للمستشفى والمريض والطبيب والدولة فالكل مستفيد، فالمستشفى حفاظاً على سمعته واستمراريته والمريض حفاظاً على نفسه وماله ووقته والطبيب حفاظاً على سمعته وكفاءته وثقته بنفسه والمهندس بتشغيله والحفاظ عليه والدولة بالمساعدة على تشغيل الخريجين وتوطين العلاج فلا خاسر هنا قطعاً، وتختفي بذلك عبارات كثيرة من شاكلة «الدكاترة قالو عندو مرض وسافر مصر طلع ما عندو حاجة، واداني دواء بالغلط، والدكتور دا ما شاطر، وأنصحك ما تمشي المستشفى الفلاني» وتقل معها عمليات ال Open and see وتعود الثقة بالطبيب السوداني الذي ملأت سمعته الآفاق داخل البلاد وخارجها وتعود آمال المرضى بالشفاء العاجل بإذن الله. - ومثال للأخطاء الشائعة جداً والخطرة جداً الناتجة عن سوء استخدام الأجهزة الطبية كجهاز التحليل الكيمائي المزود بثلاجات لحفظ الكواشف (reagent ( داخلها الموجودة بمعظم معامل المستشفيات الكبيرة في بلدنا نجد أنها تعمل بنظام البلتيير (peltier) وهي أشباه موصلات تخفض درجة حرارة الثلاجة الى 15 درجة مئوية عن درجة حرارة الغرفة فمثلاً إذا كانت درجة حرارة الغرفة 25درجة مئوية تصبح درجة حرارة الثلاجة 10 درجات مئوية «أي أنها تعتمد على درجة حرارة الغرفة» والمعروف أن هذه الكواشف تحفظ في درجة حرارة من 2 8 درجة مئوية فتفسد الكواشف وتفسد النتيجة ويكثر مرضى غسيل الكلى من دون سبب واضح!!!!. ولا تستغرب أيها الطبيب إذا وجدت جهازاً لمراقبة المريض يصدر جميع الإشارات الحيوية الطبيعية للإنسان السليم جداً والمريض يحتضر. - وهنالك أمثلة كثيرة جداً ومؤثرة جداً على نتائج فحوصات المرضى لا يعلمها إلا المهندسون ذوو الخبرة اللصيقة بالجهاز الطبي. - أولت الدولة اهتماماً بالمهندس الطبي في الآونة الأخيرة ونرى أنه ليس بالقدر المطلوب آملين من وزارة الصحة الاتحادية أن تزيد من هذا الاهتمام بالمهندس الطبي وكل حلقات المنظومة العلاجية والوقائية. - هنالك بعض المستشفيات تبذل اهتماماً وجهداً كبيرين للأجهزة الطبية والمهندسين فنشكرها على ذلك وأدام الله التطور لبلادنا في جميع المجالات مهندس/ إبراهيم حسين محمد علي