قلنا إن جامعة السودان ذات الماضي العريق وذات السجل المليء بالمفاخر تكاد اليوم أن تصبح بوقًا من أبواق الأممالمتحدة.. ومطية من مطاياها.. فهي تصدر ثلاث نشرات بمال الأممالمتحدة وفكر الأممالمتحدة.. وتحشر أنفها في قضايا خلافية ونحن نقول ذلك من باب التلطيف والتلطف.. وإلا فإن القضايا المعنية حسمها كتاب الله وسنة رسوله بنصوص واضحة محكمة قطعية الدلالة.. ولا يملك أي دستور إسلامي أن يتحاوزها أو يتخطاها. ولكن الذي يحدث الآن لا يحدث إلا بسبب انبطاح الإنقاذ وانكسار الحركة الإسلامية وانكفاء العلماء والدعاة على دواخلهم. إن العلمانيين اليوم متراصون ومبارزون بالعداوة للإسلام وللإسلاميين.. ويجدون الثغرة تلو الثغرة للدخول إلى حصون الإسلام وإفسادها من الداخل. واللوم ليس على الحكام.. وحدهم.. ولا لوم على العلمانيين في هذه الحياة العاجلة.. فهم ليسوا مكوِّنًا من مكونات البرنامج الإسلامي الإصلاحي.. بل هم واحد من عقباته ولكن اللوم جل اللوم على أهل العلم و أهل الدعوة.. منظمات وأفراداً..إن الذي تفعله الإنقاذ اليوم يؤدي إلى فساد الحاكم والحكم والمحكوم.. كل ذلك والعلماء منكفئون على الأكاديميات وعلى منابر الوعظ وإلى إنشاء «الجماعات» حتى أوشكت أن تربو أو لعلها ربت على الثلاثين. ولا أحد يستطيع أو يفكر في أن يقول للإنقاذ «وقّف» كما قالها عبد الرحيم علي في إحدى قاعات جامعة الخرطوم والطلاب العلمانيون في ذلك الزمن يقدمون «رقصة العجكو» وأنا على بقين تام أن جامعة الخرطوم لو شاءت أن تقدم رقصة العجكو اليوم لما استطاع داعية ولا عالم ولا حاكم أن يقول للجامعة «وقّف». وجامعة الخرطوم اليوم تبارز ربها العداء وتقدم مفهومًا مصطنعاً مزوَّراً لا يسنده دين ولا عقل ولا فكر ولا لغة إنه مفهوم منحوت ومنحول ومصنوع.. اسمه الجندر.. وقد أوضحنا في المقال السابق أنه لا أصل له لا في الدين ولا في اللغة ولا في الممارسة الاجتماعية.. إن الذي يحاوله دعاة الجندرة هو تحويل المرأة إلى سلعة أو إلى آلة. إن مفهوم تحرير المرأة هو بعينه مفهوم تحرير السلعة أية سلعة. إن تحرير السلعة هو العمل على ضمان وصولها إلى أيدي المستهلكين.. بدون مشقة.. وبدون احتكار.. وبدون غلو في الأسعار.. وهذا التحرير هو عينه ما يريدونه للمرأة.. ولكنهم يزيدون على ذلك فيسعون إلى حمايته بالدستور.. وأنشأوا جماعة سموها «مجموعة منتدى جندرة الدستور» هل تكفي هذه المجموعة من الشباب والشابات لإقناع أهل السماء والارض بأن هناك خطأ في القرآن أو خطأ في السنة أو أن القرآن مثلاً لم يستوعب مفهوم الجندر والجندرة.. وهو مفهوم استوعبه ونوه به ناس محجوب وابتسام وعبد الله وسامية وسميرة وهدى وشذى وهنادي وأحلام ورباب ونون؟! طيب: أين سعاد وعائشة ومزاهر وخديجة وبدرية وإحسان؟ إذا كان القرآن أخطأ لما قال «وليس الذكر كالأنثى» فما ظنكم بما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم «لن يفلح قوم ولّوا أمرهم أمرأة»؟! بمقياسكم «الخائس» من خاس يخيس لا بد أن تكون هذه مؤامرة.. ولا بد أنكم تصنفون من يقول مثل هذا القول بأنه عدو المرأة!! شاهت الوجوه!! الورقة تنحو إلى جندرة القضايا الإنسانية التي بعث الله سبحانه وتعالى الأنبياء والرسل وأنزل الكتب والصحف وشرع الشرائع لتقويم اعوجاجها.. وتعديل ميلها.. خذ مثلاً التعليم.. هؤلاء يجعلون التعليم قضية أنثوية.. يعني قضية جندرة . مع أن الجندرة أصلاً لا وجود حقيقي لها لا في هذه القضية ولا في غيرها من القضايا.. يقولون: «من ناحيتها رفعت الحكومة يدها من دعم التعليم» هل التعليم قضية أنثوية؟ هل هو قضية جندرة؟ هل المرأة هي المتضرر الوحيد من رفع الدعم عن التعليم؟ إن الجندرة الحقة والمطلوبة أن تحتج هؤلاء الناشطات على توحيد مناهج التعليم لأن احتياجات النوع تتعلق وتتحدد بالأدوار النمطية التي خُلق كل نوع لأدائها لتكتمل دورة الحياة.. إن الجندرة الحقيقية هي أن تحتج الناشطات «الفالحات» هؤلاء على تغول النوع.. إن هؤلاء القوم لا يستحون.. ولا ينكرون أصولهم ولا جهاتهم الداعمة فهم يقولون في الإصدارة رقم «1»: إن هذه المبادرة جاءت في إطار دعوة ابتدرتها هيئة الأممالمتحدة لتنمية المرأة بالشراكة مع وحدة المرأة النوع والتنمية بمعهد الدراسات والبحوث الإنمائية جامعة الخرطوم. إن الأممالمتحدة كما هو معلوم لا تبحث عن التمويل.. وهي كذلك لا تبحث عن الأفكار.. إن الذي تريده الأممالمتحدة وتشتريه بالمال هو الغطاء.. هو حصان طروادة.. إن كل واجهات الأممالمتحدة ليس لها برامج ولا أجندة ولا مشاريع إلا تفكيك المجتمعات الإسلامية وطمس الهُوية الإسلامية. إن النقاش الهادئ العلمي الرزين مهم ومفيد جداً في الرد على هذه الأطروحات.. ولكن يجب ألا يكون النقاش بارداً ولا مجاملاً. ولا حيياً. أن مجموعة المستنيرين من الأكاديميين والقانونيين أعضاء بالأحزاب السياسية وممثلات تنظيمات طوعية واتحادات «مجموعة منتدى جندرة الدستور» بالإضافة لإسهامات من منظمات ومجموعات أخرى..» إلى آخر العبارة.. فتشت في القائمة الموجودة أسفل هذا الكلام فوجدت على رأسها بلقيس بدري.. وعرفتها «ببدري» ومحجوب عروة ولي به معرفة قديمة امتدت لأكثر من ثلاثين عاماً.. وعرفت أيضاً إسحق القاسم شداد ثم لم أعرف أحداً بعد ذلك، ولعل العيب مني.. ولكن هل يكفي هؤلاء لإحداث انقلاب في المفهوم الإنساني للذكر والأنثى أو الرجل والمرأة ؟؟ على وظائف النوع لأن هذا التغول هدم لمؤسسة الأسرة التي يضطلع بها الرجل دون المرأة.. وفي تضييع الأسرة تضييع للمرأة ولنوعها وجنسها.. إن تأخر سن الزواج عند المرأة يسمى العنوسة والمرأة عانس ولكن تأخر سن الزواج عند الرجل لا يسمى عنوسة والرجل لا يسمى عانساً.. بل لا تطلق عليه صفة. وذلك لأن الفطرة والتكوين والناموس والشريعة والعرف جعلت دور الرجل هو الإيجابي ودور المرأة هو التلقي.. وليس في ذلك عيب لأنه هو سر الحياة.. وجمالها وروعتها.. وسؤال نوجهه لهؤلاء الفتيات المتكأكئات: هل خدمات الرعاية الصحية وصحة الأمومة والطفولة قضية جندرة؟ هل صحة الأم من اهتمامات وواجبات اتحاد المرأة ورابطة المرأة العاملة أم هو من اهتمامات الأسرة والزوج والأب والأخ والعم والخال؟ هل تذهب الأم إلى المستوصف تحت رعاية رابطة المرأة وتصحبها رئيسة الاتحاد أم يصحبها زوجها وابنها وأخوها وأبوها؟ هؤلاء يتكأكأون ليطالبوا بحقوق المرأة كنوع وكأنثى والإسلام والشرائع السماوية تحفظ لها حق الإنسانية.. وحق الأمومة وحق التمتع بكافة استحقاقات الدور النمطي الذي خلقت من أجله: زوجة وأمًا تقول الإصدارة «1» إن نسبة النساء لعدد سكان السودان 49% وإن 90% من سكان السودان يعيشون تحت خط الفقر وإن 65% من هؤلاء من النساء. من الذي ساق المرأة لتكون تحت خط الفقر؟ هل المرأة كافلة أم مكفولة؟ من الذي أخرجها من كفالة الرجل أب وأخ وزوج وابن وعم ليدخلها تحت كفالة الجندر؟ تقول الإصدارة «1»: واليوم لا يوجد بالبلاد أي قوانين أو لوائح منظمة لمبدأ التمييز الإيجابي لصالح النساء أو التدريب الوظيفي لتحقيق الاستيعاب المنصف خلال مدى زمني محدد». هل يصدر هذا الخطل من وجدان سوي ومن عقل ناضج ومن إنسان عنده قيم أو عنده دين؟ ما هو مفهوم التمييز الإيجابي؟ وما هو التمييز السلبي؟ التمييز السلبي هو أخذ حق المرأة وسلبها إياه بلا مسوغات.. وهو مرفوض عقلاً وعرفًا وشرعاً.. وما هو التمييز الإيجابي إذن؟ هو أخذ حق الرجل وسلبه إياه بلا مسوغات!! أليس كذلك؟ وهو مطلوب ومرغوب علمانياً وأممياً وكفرياً وفسوقيًا وفجوريًا!! هذه أفكار مجموعة الجندرة. إن المصطلح الصحيح والمعقول والمهذب هو شيء غير التمييز الإيجابي إنه الخصوصية.. خصوصية الفطرة.. وخصوصية التكوين.. وخصوصية الدور والوظيفة.. وخصوصية العلاقة.. وخصوصية الأمومة والبنوة والبعولة. إن هذه الخصوصية التي هي سر أسرار الإبداع الرباني في بناء المجتمع الإنساني أمر لا يروق «لجندرمة» المشروع الأممي العلماني التجاري السلعي الذي يجعل من القيم ومن الأديان ومن التقاليد رتوشًا وزخارف ومحسنات بديعية لا تغير ولا تبدل ولا تزيد من أصل المسألة شيئاً. إن التمييز الإيجابي هو الشرائع والأصول والأحكام التي تجعل الدور النمطي هو مملكة المرأة ومعراجها إلى السماء.. إن الشرائع قد ميَّزت المرأة تمييزًا إيجابياً مستحقاً ونافعاً وضرورياً لها ولغيرها ممن حولها من أهلها وأقاربها وغيرهم من الناس.