أعدت الجبهة الإسلامية للدستور مشروعاً عكفت عليه أشهُراً طوالاً، واجتهدت في إتقانه بعد أن استعرضت مجموعة من الدساتير داخلية وخارجية.. ثم طبعت المسودة الآن وبدأت الجبهة في توزيعها وتداولها وعرضها لأهل الرأي وأهل الفكر. وقد أنعم الله عليّ بأن كنت أحد المساهمين في إعدادها ولقد انتدب لإعدادها خيرة أهل العلم وأهل الفقه وأهل القانون.. وشارك في مراجعتها وفحصها وتقويمها ثلة من أهل الخبرة وأهل الدعوة وأهل السياسة.. وعلماء الاجتماع وعلماء اللغة.. ولم يخل الأمر كذلك من نظر أهل العلم التجريبي في الطب وعلم النفس والعلوم الإنسانية وبالرغم من كل هذا فإن المسودة ما زالت الآن قيد النظر وفي متناول الباحثين. ولكن لا يخفى على أحد أن النظر في مثل هذه الأعمال ربما يصدر عن أشخاص لا يتحلون بقيم الموضوعية والاعتدال في النظرة وفي النقد.. من مادحين وقادحين.. ونحن في كل الحالات لن يستخفنا الفرح بالتقريظ والمدح والإشادة بل سوف نتعامل مع كل ذلك بموضوعية ونظر علمي أكاديمي وعرضه على المسلمات والأصول الراجحة في مجال الفقه والقانون والسياسة والحكم.. كما أننا لن نستشيط غضباً إذا جاءنا النقد من المخالفين أو القادحين ولسوف نعرض كل ذلك على ميزان الحق والعدل.. ونحن لا ننفي القاعدة الإنسانية التي تقول إنه ربما نفعك قدح قادح ولربما ضرك مدح مادح.. فنحن بإذن الله من كل ذلك على تقية.. وإليكم بعض النماذج من هذه التعليقات.. أولاً: من د. مصطفى الناير المنزول إلى سعادة الأمين العام لجبهة الدستور الإسلامي بالإشارة إلى الموضوع أعلاه نشكر لكم جهودكم المباركة لإعلاء كلمة الله وتوثيق شريعته لتكون هي الحاكمة في أرض السودان لينعم بها شعبه في شؤون حياته العامة والخاصة وفي سبيل الإسهام معكم في هذا العمل الطيب أضع بين أيديكم الملاحظات المتواضعة أدناه نأمل أن تكون إعانة وإضافة مفيدة لما قمتم به من مقترحات تعين الدولة في تقنين دستور جمهورية السودان المرتقب بإذن الله. وأورد الدكتور الناير نوعين من الملاحظات: عامة وتفصيلية أما العامة ففي التبويب وفي الشكل وفي توافق العناوين الفتنة في الدين أو الترويج للكفر. وأيضاً يعلق الدكتور على المادة 52 التي تحدد نظام الحكم في السودان بأنه نظام رئاسي.. ويقول الدكتور: في النظام الرئاسي من يأنس في نفسه الكفاءة يترشح لمنصب الرئاسة ويكون الاختيار للشعب. وقال الدكتور إن المادة «55» تقول إن مجلس الشورى هو الذي يرشح على الأكثر ثلاثة أشخاص ليختار الشعب أحدهم لرئاسة الدولة. وليس هذا هو بالضبط ما جاء في المادة «55» إذ إن مجلس الشورى في الدستور يمثل كلية انتخابية تنظر في المرشحين ولا ترشحهم هي ابتداءً.. وتعرضهم على الشروط المطلوبة في المرشح.. ومجلس الشورى نفسه يجري اختياره وفق شروط صارمة ودقيقة.. والمسودة كما يبدو من هذه المجهودات تحاول أن تقارب بين النظام الإسلامي والواقع الذي نعيشه اليوم ونسعى لأن يكون الانتقال إلى النظام الإسلامي الكامل سلساً و مرحلياً وهادئاً. ومعلوم أن الأهلية والاستحقاق لهذا المنصب يقوم في الأساس في النظام الإسلامي على الخصائص والمميزات والصفات ولا يقوم على الأسلوب الانتخابي الديمقراطي الذي نشهده اليوم بسبب ما فيه من مساوئ وعيوب وقصور.. لا يخفى ذلك على أحد كما أنه يشير إلى ضروة مراعاة الصياغة اللغوية والقانونية ويشير إلى فقرات في مواد معينة سماها. ثم ألحق كل ذلك بملاحظات تفصيلية في شكل جدول برقم الصفحة والمادة والنصوص قبل التعديل المقترح وبعده وهذا مجهود ضخم سوف تنظر فيه لجنة الصياغة ونحن ربما وافقناه في بعضها مع العلم بأننا حرصنا حرصاً شديداً في موضوع الصياغة اللغوية والقانونية وحرصنا على وجود المتخصصين في كلا المجالين. ثم وردت كذلك ورقة ملاحظات من الدكتور محمد إبراهيم بشير أحمد أستاذ القانون الدستوري والنظم السياسية كلية الشريعة والقانون/ جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية. ومن الملاحظات التي أوردها سعادة الدكتور أن بعض نصوص الدستور جاءت مفصلة تفصيلاً مطولاً بحيث تشرح بعض المواد نفسها. وأشار إلى تناقض بين لمادة 21 وما ورد بالفقرة 2 من المادة 44. فبينما تكفل المادة 21 للأقليات الدينية من أهل الكتاب خاصة إقامة مؤسساتها التعليمية وإداراتها نجد أن الفقرة 2/44 منعت النصارى واليهود من الترويج والنشر وساوت في ذلك بينهم وبين الشيوعيين والعلمانيين والوثنيين. ولربما غاب عن ذهن الدكتور الفارق الكبير بين مفهومي المؤسسات التعليمية الخاصة وحرية الترويج والنشر. فالأولى لأهل الديانة خاصة، وأما الترويج والنشر فلأهل السودان عامة وهو ما يسميه الفقه الإسلامي مثلاً: قولهم افتقر الدستور لعملية التقنين وهي حسب قولهم من أهم مميزات القوانين في العصر الحديث فضلاً عن الدساتير كما أشارت الورقة إلى ضرورة وجود باب للتفسيرات وتوضيح المعاني والكلمات والمفردات.. ومن أهم ما جاء في هذه الدراسة النقدية والتي فعلاً تستدعي النظر والمناقشة قولهم: تم حشد المشروع بعبارات واصطلاحات متباينة تؤدي للاختلاف والافتراق في مدلولاتها وتطبيقها ونذكر بعضاً منها: منهج الإسلام وهديه «م1» أحكام دار الإسلام «م2» ترسيخ مبدأ حكم الشرع وتفعيل مبدأ الشورى «م11» طبيعتها الشرعية «م12» هدي الشريع الإسلامية م13 وم14 وم35» مبادئ الشريعة الإسلامية «م17» الضوابط الشرعية «م10» وفقًا للشريعة الإسلامية «م22» وجهه الشرعي «م23» أحكام الشريعة «م37 وم43 وم45/1» غير جائزة شرعاً «م44/2» إلى آخر هذه الملاحظات. والذي يحضرني الآن أن هذه مسودة وربما تصبح دستوراً بعد إجازتها.. والدستور في العادة يترك مجالاً لأهل القانون ليستخلصوا من مواده القوانين التي ينبغي أن تتحلى بأعلى درجات الضبط والتمتين.. أما الدستور فيترك بابًا للاجتهاد وإعمال النظر والاختلافات الاجتهادية الفقهية ومع ذلك فإن هذه الملاحظات المهمة سوف تكون قيد الدراسة والإفادة ونسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بها ويجعلها في ميزان حسنات الأساتذة الذين قاموا بإعدادها وهم: 1/ حسن محمد الأمين كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان الإسلامية 2/ أحمد بابكر خليل كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان الإسلامية 3/ أحمد إدريس فضل الله كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان الإسلامية 4/ عبدالإله عبد اللطيف محمد حامد كلية الشريعة والقانون جامعة أم درمان الإسلامية وهناك جملة أخرى صالحة من الملاحظات من أساتذة ومختصين في عدد من الجامعات والهيئات وسوف نعرض لها كلها إن شاء الله. { مفهوم الجندر يبدو والله أعلم أن هذا المفهوم الدخيل الدعي الغامض المهزوز سوف يكون على النقد والتشريح.. والجندر مصطلح حداثي جاءت به مؤتمرات السكان في القاهرة وبكين وروما.. والجندر لا يعدو أن يكون مفهومًا Concept وهو مفهوم اقرب ما يكون إلى الخيال.. وإن وجدت نماذج منه فهي غير ثابتة وليست دائمة بل سريعة التلاشي والاضمحلال والاختفاء.. والسبب في ذلك هي أنها توجد نتيجة لبرامج اجتماعية ومشروعات تربوية وتدريبية و محاولات غرز المفهوم في الأطفال منذ المهد ليوهموهم بأن الشخص يختار «نوعه» بنفسه ولا تختاز له الأسرة ولا المجتمع ولا التكوين البيولوجي. وقد أثبت العلم خطأ هذه المقولة.. لأن السلوك الاجتماعي الأنثوي أو الذكوري مصدره الدماغ ودماغ الرجل يختلف عن دماغ المرأة.. والدماغ هو المسيطر على السلوك وعلى النوع.. والسلوك المكتسب يتلاشى ويضمحل مع تقدم السن.. وسوف نعرض لذلك بالتفصيل إن شاء الله