الحمد لله العزيز الحكيم، الغفور الرحيم، خلق كل شيء فقدره تقديراً، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على نبي الرحمة ومنقذ الأمة محمد بن عبدالله وعلي آله و صحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين. أما بعد.. فإن هيئة علماء السودان تهنئ الشعب السوداني الكريم بذكرى الاستقلال المجيد وتسأل الله تعالى أن يكون تجدد هذه الذكرى حافزاً للجميع حكاماً ومحكومين أن يعطوا الاستقلال معناه الحقيقي عملاً متواصلاً لنيل المكرمات وتحقيق الغايات والبعد عن سفاسف الأمور والمهلكات، فقد بذل رواد الاستقلال الغالي والنفيس في سبيل التحرر من الاستعمار، لكن المطلوب أن نعطي الاستقلال معناه الحقيقي وفقاً لهذه الرؤى. { الاستقلال الحقيقي الذي نريد هو تثبيت هوية الأمة وتأكيد مرجعيتها للكتاب الكريم والسنة المطهرة قال تعالى: «وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً » الأحزاب«36» { الاستقلال الحقيقي الذي نريد، أن نفرغ بأسرع ما يمكن من إجازة الدستور الذي يفصل الحقوق والحرمات ويثبت الالتزامات والواجبات قال تعالى :«ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون» الجاثية «18» والذين لا يعلمون هم هؤلاء العلمانيون الذين يريدونها عوجاً على منهج سيداو والمنظمات المشبوهة. { الاستقلال الحقيقي أن نضاعف الإنتاج حتى نكتفي من الغذاء والدواء والكساء قال تعالى: «إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا» الكهف «7» ومعلوم أن أرض السودان تحتوي على الأمطار والأنهار والنبات والغابات والإنسان والحيوان مما ذكرته الآية «على الأرض» ومما في باطنها من المعادن والركاز وما بقي إلا التوجيه «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالما لغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون» التوبة «105». { الاستقلال الحقيقي أن نسن القوانين واللوائح المنبثقة من مرجعيتنا حتى نضمن تحقيق العدالة والمساواة أمام القانون وحتى نضمت العفة والطهارة في المخبر والمظهر ونحارب الفساد والمفسدين ويكون الضعيف عندنا القوي حتى نأخذ الحق له والقوي عندنا الضعيف حتى نأخذ الحق منه.. كما قال الخليفة الراشد الصديق. { الاستقلال الحقيقي أن نراجع مناهج تعليمنا مما قبل الأساس إلى الجامعة لتقوم على القيم والشيم وأن نوازن فيها بين الأصالة والمعاصرة فلا الأصل نهمله ولا العصر يفوتنا. { الاستقلال الحقيقي أن ينهض المجتمع على مبادئ الإخاء والتكافل والتعاون، يتعاهد على فعل المعروف ويتباعد عن إقرار المنكر حتى نكون خير أمة أخرجت للناس كما هو التوجيه الرباني. { الاستقلال الحقيقي أن نفسح المجال للتعايش وتبادل الآراء والمنافع، ندعو بالحسنى والحكمة، ونجادل بالتي هي أحسن وأن نتجنب الصراع والنزاع اللذين يذهبان بالريح قال تعالى: «وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين» الأنفال «46» { الاستقلال الحقيقي أن نقاوم رياح الهيمنة وعوادي العولمة وأن نحذر الحكام قبل المحكومين من الإنجرار والتساوق أو الانحناء لعواصفها وماكر آلياتها. { الاستقلال الحقيقي ألا نولي أمر الحكم والمسإولية إلا القوي الأمين، وأن نعزل من يفسد فيهما أو من يبدي حرصاً وشرهاً عليهما قال تعالى :«وقفوهم إنهم مسؤولون،ما لكم لا تناصرون، بل هم اليوم مستسلمون» الصافات«24 26» { الاستقلال الحقيقي أن نراعي حقوق الإنسان المبنية على مقاصد الشريعة تعلوها الضرورات ثم الحاجيات ثم التحسينات وأن تقوم موازنة الدولة على مراعاة ترتيب هذه الأمور وهذا يقتضي إيقاف الصرف غير المرشد على أدنى المطالب وإيقاف تقديم غير المهم على الأكثر أهمية، فمعاش الناس وعافيتهم وأمنهم تتقدم على كل شيء. { الاستقلال الحقيقي هو الاهتمام بمؤسسات الإرشاد والتوجيه والتنمية الاجتماعية ومراجعة أدائها وتقويمها ومن ثم إصلاح المؤسسات الدينية والمسجدية والدعوية والتربوية والبحثية والزكوية والوقفية والتنبه على عدم الانسياق مع السياسة الإمبريالية التي رفعت شعار تجفيف المنابع وعامنا الذي مضي شهد تساوقاً مع ذاك الشعار بقصد أو بغير قصد. اللهم إن ذاك عام مضى فسامحنا فيما قصدنا فيه. وهذا عام آتٍ فمكنّا من العمل الرشيد فيه «ربنا لا تؤاخذنا إن نسيا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحمِّلنا ما لا طاقة لنا به واعفُ عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين» البقرة 286. الأمانة العامة 1/1/2012 التعليق: هذا البيان الضافي أصدرته هيئة علماء السودان في محاولة جادة لتصحيح الفهم لموضوع الاستقلال وقد وردت عبارة «الاستقلال الحقيقي» فيما لا يقل عن ثمانية مواضع في البيان وكل عبارة كانت مدخلا لتصحيح المفهوم في مجال من المجالات مما يشير إلى أن الهيئة تلحظ بعين المراقب البصير الانحراف الكبير في الحياة العامة عن مفهوم الاستقلال الذي قيده بيان الهيئة بتثبيت هوية الأمة وتأكيد مرجعيتها للكتاب والسنة.وفي كل حالة يورد البيان النص القرآني المؤيد لما ذهبت إليه الهيئة. وقد تقدمت للأخ البروفيسور محمد عثمان صالح الأمين العام للهيئة بهذا السؤال: أنت ترى الناس يحتفلون بذكرى الاستقلال ورأس السنة في يوم واحد مما يؤدي إلى كثير من التداخل غير المحمود وقد يُنسي المواطنين مفهوم الاستقلال.. فما رأيكم في ذلك؟ أجاب سعادة الأمين العام بأن عيد الاستقلال أصلاً يوم 19/12/55 والذين وحدوا الاحتفالين لم يخطر ببالهم ما يجري اليوم في رأس السنة مما لا يرضي الله ورسوله والمؤمنين.. ولا أرى إلا أن يلغى الاحتفال برأس السنة لأنه لا معنى له ولا معنى للعطلة فيه.. فنرى أن تلغى وأن تعود ذكرى الاستقلال إلى أصلها الحقيقي وهو يوم 19/12 من كل عام إن كان ولابد. وعلى أن يعمل المسؤولون والعلماء وقيادة المجتمع على محاربة هذه الظواهر الطارئة بالدعوة والإرشاد والتوجيه.. وتطبيق القوانين التي تحارب هذه المفاسد. انتهى كلام الأخ الأمين العام جزاه الله خيراً.. وكنا قد نوهنا إلى ما أشار إليه وتقدمنا بالرجاء إلى الأخ الرئيس بإلغاء عطلة رأس السنة.