إننا لا يمكن أن نذاكر التاريخ ونستوعبه جيداً إلا عن رغبة أكيدة فيه، وولع حقيقي به، وعند ذلك فإننا لا نستوعب الحوادث التي يعرضها لنا الكتاب وحسب، وإنما نتخيل إضافة لذلك الظروف والأحوال والملابسات التي صاحبت تلك الأحداث، وتكون صوراً حية في العقل لتلك الأحداث. وينبغي أن ندرس التاريخ باعتباره كلاً مترابطاً، لا قطعاً متنافرة، واحداثاً متناثرة. وقبل دراسة التاريخ مجزءاً فمن الأفضل أخذ صورة عامة عنه. لترى تاريخ القطر كله من خلال الحقب مرة واحدة تماماً كما نرى مدينة ونحن نشرف عليها من أعلى جبل أو تل .. وبعد ذلك تسهل دراسة التفاصيل ويستطيع الطالب أن يستمتع بها وأن يدرجها في أماكنها من خلال السياق الطويل. فتاريخ السودان مثلاً يمكن أن يدرس في خطوطه العريضة في عشر دقائق فقط.. أو في عشرين دقيقة، أو أربعين، أو ساعة كاملة تبعاً لحجم التفصيل، وهكذا يُرسى التاريخ الكامل أولاً في العقل ثم يطول ويوسع يوماً بعد يوم. وفي أثناء ذلك العرض المفصل يقوم الطالب بربط كل حادثة مفردة أو سلسلة حوادث بأسبابها وتأثيراتها التي خلفتها.. وعلى الطالب ألا يقلق لحفظ السنوات «والتواريخ» المحددة، وأن يترك ذلك حتى يقرر احتياجه لحفظ بعض منها . لأنه لن يحتاج إليها كلها، ولا إلى معظمها. كما أن تجويد دراسة الأحداث المتصلة ببعضها سيورد السنوات و «التواريخ» تلقائياً إلى الذهن، من دون عناء شديد في الحفظ. وهنالك عنصران آخران بالإضافة إلى الأسباب والتأثيرات والسنوات، فينبغي أن نربط كل حادثة أو سلسلة حوادث بالمكان الذي وقعت فيه وبالشخص الذي اتصل بها. فإذا أخذنا مذاكرات وافية عن هذه العناصر الخمس في كل موضع وذاكرناه جيداً، فإن الموضوع يكون قد وفِّي بالتغطية والدرس. وبالإضافة إلى ذلك فلا بد من توليد صورة عقلية عامة للتاريخ في الذهن. فتصور الناس والأحوال متحركة، وخطوط الحملات العسكرية والفتوحات الفكرية متحركين، حتى ترسم خريطة كاملة في ذهنك تضع في كل مكان منها حادثاً معيناً، في زمن معين. وفي هذه الخريطة لا تضع أي حادث أو تاريخ غير ذي شأن. وعندما تسأل عن أي حادث أو حقبة في الامتحان.. استرجع صورته الكاملة في ذهنك أولاً قبل أن تبدأ بالكتابة في تفاصيله. ويستحسن أن تغمض عينيك قليلاً حتى تستدعي هذا الحادث كاملاً إلى الذاكرة وبإطاره العام، ثم تبدأ في ايراد التفاصيل والجزئيات بعد ذلك.